للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لمظهر البكاء، ومنه الحديث: " ما ينكف العرق عن جبينه " (١) أي ما ينقطع، ومنه الحديث: " جاء بجيش لَا ينكف آخره " (٢). ومعنى (لن يستنكف) أي لن ينقطع أن يكون المسيح عبدا لله. وقد اختار ذلك الزجاج، وارتضاه الزمخشري في الكشاف.

تالثها - أنها مأخوذة من النكف وهو العيب، ويكون المعنى " لن يعاب المسيح أن يكون عبدا لله " وكلها معان متلاقية.

وعطف سبحانه على المسيح - عليه السلام - الملائكة فقال: (وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) أي لَا يستنكف المسيح عن أن يكون عبدا لله، ولا يستنكف أيضا الملائكة المقربون إليه سبحانه كجبريل وإسرافيل وميكائيل، وحملة العرش فإن هؤلاء على روحانياتهم الكاملة، ومع أن الله تعالى خلقهم من غير أب ولا أم لا يترفعون، أن يكونوا عبيدا لله تعالى؛ لأن الله تعالى خلقهم وهم المدركون لجلاله وكماله: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦).

ولقد أخذ الزمخشري من هذا النص أن الملائكة المقربين أعلى درجة من الأنبياء وقال في ذلك: ولا من هو أعلى قدرا وأعظم خطرا وهم الكروبيون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل وإسرافيل ومن في طبقتهم، فإن قلت من أين دل قوله تعالى (وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) على أن المعنى ولا من فوقه، قلت من حيث إن علم المعاني لَا يقتضي غير ذلك، وذلك أن الكلام سيق لرد مذهب النصارى وغلوهم في رفع المسيح عن منزلة العبودية، فوجب أن يقال لهم لن يترفع المسيح عن العبودية، ولا من هو أرفع منه درجة، كأنه قيل لن يستنكف الملائكة المقربون من العبودية فكيف بالمسيح! ويدل عليه دلالة ظاهرة بينة تخصيص المقربين لكونهم أرفع الملائكة درجة وأعلاهم منزلة، ومثاله قول القائل:

وما مثله ممن يجاود حاتم ... ولا البحر ذو الأمواج يلتج ذاخره


(١) السابق.
(٢) السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>