والركن الخامس: هو ما عبر عنه الله بقوله: (وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) والمراد من إقراض الله تعالى في هذا المقام هو الإنفاق في سبيل الله تعالى عندما تحتاج نصرة الحق إلى جهاد في سبيله، وإعطاء الضعفاء الذين هم عيال الله تعالى في هذه الأرض، فمن أعطاهم ابتغاء مرضاة الله تعالى فقد أعطى الله سبحانه وتعالى، ومن إقراض الله تعالى قرضا حسنا القيام بما طالب به من طاعات، بأداء ما عليه من واجب؛ لأن من يفعل ذلك ابتغاء مرضاته سبحانه فكأنما أقرض الله قرضا حسنا، والله سبحانه سيضاعفه في الأداء له أضعافا كثيرة.
وهنا نجد إشارات بيانية تستوجب ذكرها إجمالا من غير تعرض لتفصيل:
الأولى: أن الله سبحانه وتعالى سمى القيام بالواجبات، والإنفاق في سبيله، وإعطاء المحتاجين - إقراضا له تعالى، وهو الغني، والناس هم الفقراء، وكانت تلك التسمية تحريضا على هذه الخيرات، وتشريفا لمقام القائم؛ وإعزازا لعمله، وكانت التسمية فوق ذلك تأكيدا للجزاء؛ لأن المقترض لَا غني في الوجود سواه، فهو وحده القادر على الجزاء، وأتى تأكيدا للجزاء على الحسنة بأقوى من هذا، وقد صرح سبحانه وتعالى بمضاعفة الأداء في آية أخرى، فقال سبحانه:(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥).
الثانية: أن " قرضأ في قوله تعالى: (وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) المراد بها العطاء؛ أي الشيء الذي قدمه العبد، وإن كان في إعرابه يصح أن يكون مفعولا مطلقا، ونرى أنه مفعول به (١).
الثالثة: أن الله تعالى وصف القرض بأنه حسن، والحسن في كل شيء يناسبه، ففي الوجوه تَنَاسُبُهَا، وإشراقها، وفي الأشياء تناسقها وتآلفها، وفي الأعمال خلاصها من شوائب الرياء والنقاق، وهو في القرض الاتجاه به إلى الله
(١) ويكون مفعولا به على معنى (عطاءً) كما بين الإمام رحمه الله تعالى.