للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد يقال: إن الإيمان بالرسل مقدم على طلب إقامة الصلاة، وطلب إيتاء الزكاة، فلماذا أخر في الذكر عنه؟ وإن الجواب عن ذلك: أن الميثاق مفروض أنه بعد الإذعان لرسالة موسى عليه السلام، فكان أخذه ثمرة من ثمرات تلك الرسالة، فهناك إيمان ضمني مقدر في ثنايا القول، وإن لم يكن مذكورا، وإن الإيمان بالرسل المذكور من بعد هو الإيمان بالرسل الذين يجيئون من بعد موسى، كعيسى ومحمد صلى الله تعالى عليهما وسلم، حتى لَا يحسبوا أن الرسالة مقصورة على موسى، وأنهم لَا يؤمنون إلا بها، وأن يقولوا: أن غيرهم ليسوا على شيء فإن فعلوا يكونوا بذلك قد نقضوا الميثاق الذي واثقهم الله تعالى.

والركن الرابع من أركان ذلك الميثاق القدسي: عبر الله تعالى عنه بقوله تعالى: (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أي قويتموهم ونصرتموهم، فذلك فتح باب الجهاد الواجب لنصرة الرسل، ونصرة الحق دائما، فالتعزير هو النصر، ويطلق على العقاب المانع من الضرر، ويقول صاحب المفردات: إنها من باب واحد، فيقول في ذلك:

التعزير النصرة مع التعظيم قال تعالى: (. . . وَتُعَزِّرُوهُ. . .)، (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ)، والتعزير ضرب دون الحد، وذلك يرجع للأول، فإن ذلك تأديب، والتأديب نصرة، لكن الأول نصرة بقمع ما يضره بالدفاع عنه، والثاني نصرة بقمعه عما يضره، فمن قمعته، فقد نصرته، وعلى هذا الوجه قال - صلى الله عليه وسلم -: " انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قال قائل: أنصره مظلوما، فكيف أنصره ظالما؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: " كفه عن الظلم " (١).

والخلاصة، أن التعزير في الآية النصرة مع التوقير والتعظيم، وعدم التهجم عليهم أو الاستهزاء بهم أو السخرية منهم.


(١) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: " تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ " رواه البخاري: الإكراه - يمين الرجل لصاحبه إنه أخوه إذا خاف عليه (٦٩٥٢)، وأحمد: مسند أنس (١٥٥٣٨) كما رواه بلفظ: " تكفه عن الظلم " الترمذي: الفتن (٢٢٥٥) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>