للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهم غيروا معاني الكتاب الذي أنزل وأبعدوه عن معانيه التي قصدت من سَوْقِهِ، وأريدت من شرعه، وهم غيروا وبدلوا في عباراته حتى تذهب تكاليف الكتاب وتطمس معالم أحكامه، ومن ذلك مثلا أنه جاء في كتبهم تحريم الربا بمثل هذا الكلام (أخاك لَا تقرض بالربا) فزادوا كلمة الإسرائيلي: (أخاك الإسرائيلي لا تقرض بالربا) وبذلك تغير المعنى تغيرا جوهريا، والكلم: المراد بها الكلام، فهو اسم جمع يدل على الجمع بحذف التاء، كشجر وشجرة، وتمر وتمرة.

وجاء قوله تعالى: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) ثمرة لقسوة القلوب والطرد بالضلال؛ وذلك لأنهم لما ضلوا وفسدت قلوبهم واختلط فيها الزيف بالجوهر حتى غلب الزيف، ماتت ضمائرهم، وصاروا كذابين يكذبون على الله تعالى، وعلى الناس، فيغيرون معاني التنزيل، ويزيدون فيه وينقصون على حسب هواهم وشهواتهم، وارتكبوا بهتانا عظيما.

ومع التحريف الذي قصدوه، وشوهوا به التوراة التي نزلت على رسولهم قال الله تعالى عنهم: (وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) والنسيان معناه الترك، أو الغفلة عنه. وقد جاء في مفردات الراغب الأصفهاني ما نصه: " النسيان ترك الإنسان ما استودع إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة، وإما عن قصد، حتى ينحذف عن القلب ذكره " وهذا يستفاد منه أن النسيان ترك عن غفلة أو ترك عن قصد، وقد يكون النسيان سببه أمر خارج عن إرادة الناس، كأن يخفى عدو قاهر ما عند الشخص فيتركه مكرها.

وقد كان عند اليهود - قبحهم الله - الأنواع الثلاثة، فهم قد أصابتهم الغفلة عن كتابهم بسبب فساد قلوبهم، وهم قد تركوا بعضه، وجعلوه مهجورا، لأنه لَا يتفق مع أهوائهم، وقد نزل بهم من الشدائد ما ضيع كتبهم، ولم يبق منها إلا القليل، كما فعل ذلك بختنصر معهم، حتى إذا عاد جمعهم لم يبق من كتبهم إلا متناثرا، لَا يكون مجموعا متناسقا.

<<  <  ج: ص:  >  >>