للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهنا لفظان نقف عند المعاني التي يشيران إليها: أولهما: معنى " حظ " فنقول: الحظ هو النصيب الكبير الذي يعد محظوظا من يأخذه، وهذا يدل على أن الجزء الذي نسي هو جوهر الدين ولبه، وحسبك أن تعلم أن التوراة التي بأيدينا ليس فيها ذكر لليوم الآخر، وما يكون فيه من نعيم مقيم وعذاب أليم، وثاني اللفظين: هو " مما ذكروا به " فإن ذلك يشمل تعاليم موسى وتعاليم الأنبياء من قبله، وكل هذا نسوا الحظ الأكبر منه.

(وَلا تَزَالُ تَطَّلِع عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ) الجماعات الإنسانية تتوارث عادات وأخلاقا، حتى تصير كأنها طبائع وجِبِلَّة، فالكلام في بني إسرائيل الذين سبقوا عصر النبوة، ولكن الذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - يحملون الصفات التي كان أسلافهم عليها؛ ولذلك اعتبروا منهم أو مثلهم، فخاطب الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه - صلى الله عليه وسلم - يرى في الحاضرين صورة السابقين، ويرى فيهم طائفة منهم، وإن تباعدت الأزمان، وإذا تخالفت الشخوص لَا تتخالف الصفات؛ ولذلك قال تعالى: (ووَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ منْهُمْ) أي أن صفاتهم مستمرة وهم بذلك مستمرون، فلا تزال تطلع على طائفة خائنه منهم خيانة أسلافهم، فيهم قسوتهم، وفيهم ضلالهم، وفيهم انحرافهم. و (خَائِنَة): وصف لمحذوف تقديره بقية خائنة، أو طائفة خائنة، أو نفوس خائنة منهم، وفسر بعض المفسرين خائنة بمعنى خيانة، والمعنى على ذلك لَا تزال تطلع على خيانة، والمؤدى واحد؛ لأن الاطلاع على فرقة أو بقية خائنة اطلاع على الخيانة، والاطلاع على الخيانة اطلاع على قوم متصفين بها، وفي الكلام إشارة إلى أن هؤلاء اليهود في ماضيهم قد خانوا الله تعالى، وخانوا أنفسهم بنقضهم الميثاق الذي أخذ موثقا مؤكدا عليهم، فلا تعجب إذا كانوا قد خانوا العهد معك، ونقضوا الحلف الذي حالفوك عليه، على أن أمنك أمنهم، وأمنهم أمنك، وأن تكون العلاقة بينك وبينهم حسن الجوار، والمودة الحسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>