للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جاهل وعالم، وأمي وغير أمي، وقوم وقوم وجنس وجنس، وتحريم الربا وأكله من القريب والبعيد، والقصاص العادل والعقوبات الزاجرة، وقد قال بعض العلماء: إن الذي أخفوه هو عقوبة الرجم، ويروي ذلك ابن جرير الطبري فيقول بسنده: إن نبي الله تعالى أتاه اليهود يسألونه عن الرجم، واجتمعوا في بيت قال: أيكم أعلمكم؛ فأشاروا إلى ابن صوريا فقال: أنت أعلمهم، قال: سل عما شئت، قال: أنت أعلمهم قال: إنهم يزعمون ذلك، فناشده بالذي أنزل التوراة على موسى، والذي رفع الطور، وناشده بالمواثيق التي أخذت عليهم حتى أخذه أَفْكَلْ (١)، فقال: إن نساءنا نساء حسان، فكثر فينا القتل فاختصرنا فجلدنا مائة.

وقد يكون هذا مما أخفوه، ولكن لَا يمكن أن يكون كل الذي أخفوه، فإن الله تعالى يقول: (يُبَيِّنُ لَكمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفونَ) ولا يمكن أن يكون الشيء الواحد كثيرا، بل إن الكثرة تقتضي التعدد، وأنهم أخفوا كثيرا، فقد أخفوا البشرى بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وحرفوا القول لكيلا تُعلم للناس، وأخفوا العلم بما يكون بعد الموت من بعث ونشور، والحساب والثواب والعقاب والجنة، والنار وما فيها من عذاب أليم، حتى إنك تقرأ التوراة التي بأيدينا، فلا تجد ذكرا للحياة الآخرة، وما يكون من جزاء على ما عمل المرء، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وأخفوا تحريم أكل الربا من كل إنسان، وحرفوه وقصروا المنع على أكل الربا من الإسرائيلي، وأخفوا محاولتهم عبادة الأوثان عقب إخراجهم مستنقذين من فرعون، وهكذا فقد أخفوا كثيرا، وبين الله تعالى في القرآن الكريم كثيرا مما يتصل بلب الرسالة الإلهية.

هذا بعض مما أخفوا، وهذا بعض مما بين الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وأنه سبحانه بَيَّنَ الجوهر الذي أخفوه وهو كثير، لأنه لب الرسالة الإلهية.

ولقد قال تعالى: (وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) أي يترك كثيرا ما كنتم تخفون من غير بيان إذا لم يكن في تركه إهمال لحقيقة دينية، ويكون فيه افتضاح لأمركم كادعائكم أن لوطا عليه السلام زنى بابنتيه، وكادعائكم أن داود أحب امرأة قائد


(١) الأفكل: بوزن الأرنب: الرِّعْدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>