للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأرسله إلى الميدان ليخلو له وجه زوجته، وغيره مما اشتملت عليه توراتكم التي ألفتموها، وفيها الحق والباطل، وفي التعبير بكلمة " العفو " إشارة إلى أن هذا الترك يتضمن معنى الصفح والغفران إن أحسنتم في حاضركم؛ لأنه ترك لأمر في ذكره مضرة وتحقير لكم.

وقال الحسن البصري: إن معنى (وَيَعْفُو عَن كثِيرٍ) أي لَا يؤاخذكم عليه، ولا يعاقبكم لأجله إن أحسنتم في حاضركم، وإن النسق البياني يقتضي أن يكون موضع الترك مقابلا لموضع البيان، والمقابلة تقتضي أن يكون الترك الكثير كالبيان الكثير، وكل ذلك داخل في عموم ما كانوا يخفونه ولا يبينونه، وذلك هو الظاهر المتفق مع السياق، وغيره ليس متفقا مع السياق.

(قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مبِينٌ) هذه الجملة بيان للجملة السابقة؛ ولذلك كان الفصل بينهما لكمال الاتحاد، إذ الثانية في معنى الأولى مع وصف جديد فيه بيان الحقيقة؛ لأنه إذا كان مجيء الرسول فيه بيان المختفى، وكشف المستور، فهو نور، وبعثه نور، وقد سجل ذلك النور في كتاب مبين، أي واضح في ذاته مبين للشرع الشريف، ولما أخفاه أهل الكتاب وطمسوه من معاني الوحدانية الخالصة، ومن الشرائع المحكمة، وفي هذا النص تأكيد لمعنى الرسالة عن الله تعالى التي ثبتت بقوله تعالى (رَسُولُنَا) وفي هذا النص تصريح بأن ما يجيء به الرسول من نور كاشف هاد، وكتاب مسجل للشريعة هو من الله تعالى، وقد صرح بذلك في قوله تعالى: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّه نُورٌ وَكتَابٌ مُّبِينٌ).

وللمفسرين في بيان معنى (نُورٌ) و (كِتَابٌ) كلام أساسه أن النور يجب أن يكون غير الكتاب؛ لأن العطف بينهما يقتضي التغاير بين حقيقتهما، إما من حيث الذات، أو من حيث الوصف، أو النتيجة، فإن الشيء الواحد قد يكون له وصفان متغايران، وبمقتضى هذا التغاير يكون العطف.

<<  <  ج: ص:  >  >>