للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما الأولى - فقد عبر الله سبحانه وتعالى عنها بقوله تعالت كلماته: (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) والضمير في قوله تعالى: (بِهِ) يعود إلى مجموع ما ذكر، أو يعود إلى القرآن وحده، والظاهر ذلك؛ لأن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وفي عود الضمير إلى القرآن تضمين لكل ما ذكر؛ لأن القرآن هو وعاء الشريعة، وحجة النبي - صلى الله عليه وسلم - القائمة إلى يوم القيامة، وهو مصباح النور المحمدي الذي لَا ظلام فيه، وقد ذكر سبحانه من يهتدي بالقرآن، وموضع الهداية، فليس كل إنسان أهلا لهداية القرآن والانتفاع به، فإن من يهتدي لَا بد أن يكون فيه عقل يدرك لم تظله غشاوة رانت عليه، وبصيرة نافذة، وقلب قد استقام لطلب الحكمة، وقد ذكر سبحانه أن الذي يهتدي بالحق والنور الكاشف من اتبع رضوانه، واتباع رضوان الله تعالى: طلبه ذلك الرضوان، ومعنى طلب ذلك الرضوان: أن يكون قلبه مخلصا لطلب الحق، لم يرنق قلبه بغرض باطل أو أهواء مردية، أو انحراف في طلب عن الغاية، بل يتجه اتجاها مستقيما إلى الحق لَا يبغى سواه، ولا يطلب إلا رضوان الله تبارك وتعالى، فإن الإخلاص يجعل العقل يشرق، والقلب يمتلئ بالحكمة.

وأما ما يهتدي إليه فهو سبل السلامة، والصفاء وعدم وجود البغضاء، فالسلام هو: السلامة من كل أدران الحقد والحسد، والسلامة من كل ما يؤدي إلى البغضاء والعداوة، وسبلها هو: الأعمال الصالحة، فيعمل للدنيا بأخلاق مستقيمة، ونفس لَا يخالطها فساد، ولا تستولي عليه الشهوات، فيكون مع الناس في أمن وسلام، وفي الآخرة يكون في دار السلام، كما قال تعالى في شأن المتقين المهتدين: (لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عندَ رَبِّهِم. . .)، وكما قال تعالى: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (٤٤).

وأما الثانية - فقد عبر عنها تعالى بقوله: (وَيُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) ومرجع الضمير هنا هو مرجع الضمير في الجملة السامية السابقة، فالقرآن والنور والهداية المحمدية كل هذا يخرج الناس من ظلمات الباطل إلى النور

<<  <  ج: ص:  >  >>