للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنها - أن ذكر الإهلاك في هذا المقام فيه دلالة مادية في زعمهم على بطلان ما يدعون؛ لأنهم زعموا أن عيسى أهلكه الرومان بتحريض وشهادة الزور من اليهود لعنهم الله، فكيف يكون إلها، وهو لَا يملك حماية نفسه، مع أن وصف الإله يوجب أن تكون قدرته على الإهلاك والإبقاء ثابتة.

ومنها - أنه ذكر المسيح مضافا إلى أمه، على أنه متولد منها، فكيف يكون من الفاني الإله الباقي، وهو ابن الله في زعمهم، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

وإن الذي يستمسكون به بالباطل في هذا الزعم الباطل أنه خلق من غير أب، وقد رد سبحانه وتعالى زعمهم في قضية عامة بقوله تعالى: (وَللَّه مُلْكُ

السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ).

هذه الجملة السامية مع إبطالها لزعمهم في مقام الحال من الجملة السابقة، فهي مؤيدة لمعنى القدرة على الإبقاء والإهلاك والإحياء، ورادة على زعمهم أن عيسى خلق من غير أب، فيكون ابنا لله، تعالى الله عند ذلك. والمعنى أن لله سبحانه وتعالى الملكية التامة للتصرف في السماوات بطبقاتها المختلفة، والنجوم ومداراتها وما بين السماء والأرض من فضاء تجري فيه السحب بأمره، ويطير فيه الطير، ويسبح فيه، ثم ما يصنعه الإنسان من طائرات تقطع أجواء الفضاء، كل ذلك مملوك ملكية تامة لله تعالى، ولا توجد ملكية تامة في شيء من الأشياء إلا لله سبحانه وتعالى، فكل مالك من الناس ملكيته نسبية، وليست تامة أو مطلقة، بل هي مقيدة.

وإرادته سبحانه وتعالى مطلقة في خلق الأشياء؛ ولذلك قال تعالى: (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ). وهذه الجملة في مقام الثمرة والنتيجة لما قبلها من قدرة مطلقة لَا حد لها، ومن ملكية مطلقة لَا قيد يقيدها، فهو يخلق ما يشاء ويريد، فيخلق ذكرا أو أنثى فهو يجعل لهذا ذكرانا، ولهذا إناثا، ويجعل من يشاء عقيما، ولا قيد يقيد إرادته، في طريقة الخلق والتكوين، فيخلق الناس من أب وأم، ويخلق آدم من غير أب ولا أم، ويخلق عيسى من أم، ومن غير أب. . وهكذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>