للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أوامر الله تعالى ونواهيه، فالمعنى على هذا هو أن رسولنا قد جاءكم يبين لكم الطريق المستقيم وطريق الحق القويم لكيلا تقولوا: ما جاءنا من بشير يبشر بالخير عند الطاعة، وينذرنا بالعذاب عند المعصية، بل إن الله تعالى قطع العذر عليهم وأبلغ الحجة، فلا عذر لجاهل، ولا اعتذار لمتجاهل.

وهذا التعبير: أن تقولوا ما جاءنا من بشير. . . مثله قوله تعالى: (. . . يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، كثير في القرآن الكريم، وفيه يكون التعليل مقتضيا تقدير محذوف، فإن قولهم بنفي البشير لا يمكن أن يكون علة لإرسال الرسول إلا بتقدير محذوف ويقدره الكوفيون بتقدير لا النافية محذوفة، فيكون المعنى جاءكم رسولنا يبين لكم لئلا تقولوا: ما جاءنا من بشير، أو كيلا تقولوا: ما جاءنا من بشير، وقد اختار الطبري ذلك التقدير، ويقدره البصريون بمصدر محذوف مناسب، ككراهة أن تقولوا أو اتقاء أن تقولوا، والمعنى على ذلك، جاءكم رسولنا يبين لكم كراهة أن تقولوا، أو اتقاء أن تقولوا، وقد اختار هذا التقدير الزمخشري.

والحق عندي: أن الآية الكريمة واضحة، ومدلولها بين، لَا إبهام فيه، والمراد منها جليّ، وهو قطع العذر عليهم وإنما هذه التقديرات تخريجات نحوية لتستقيم قواعد النحو، لَا ليستبين معنى الآية، فهي بينة واضحة.

والبشير: المبشر الذي يدعو إلى الحق، ويبين الثمرات الحسنة لمن تبعه في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يبين أن المصالح تتحقق فيما يدعو إليه، وأن العزة الحقيقية تكون لمن اتبعه، والحياة الكريمة الفاضلة تكون لمن أخذ به، وفي الآخرة يبين جزاء الإحسان من جنات تجري من تحتها الأنهار، ونعيم مقيم لَا يبلى، والنذير هو الذي يبين العواقب السيئة لمن يخالف الحق، إذ يكون في اضطراب لا اطمئنان معه، وانزعاج لَا أمن معه، ويعيش في آثام مبطئة، وأوزار مثقلة، وفي الآخرة يكون العذاب الأليم، والمقت والسخط من الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>