للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و " من " في قوله تعالى: (مِنْ بَشِير) لتأكيد النفي، والتنكير في بشير ونذير للتصغير لَا للتكبير، وإنما كان للتصغير لأن النفي بعمومه شامل، والمعنى: ما جاءنا أي بشير ولو صغيرا، ولا نذير ولو كان ضئيلا، فقد حرمنا من الهداية وما حرموا منها.

(فَقَدْ جَاءَكم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) الفاء هنا تفصح عن كلام مقدر قبلها، قد يكون شرطا، وقد يكون غير شرط، والمعنى لَا عذر لكم، وقد قطع السبيل عليكم، فقد جاءكم الرسول الذي أرسلناه مبشرا بالحق وغايته وثمرته في الدنيا والآخرة، ومنذرا من يرتكبون المعاصي بالهوان وسوء العقبى، والاضطراب في الدنيا، والعذاب الأليم، فعليكم أن تطيعوا، ولا تحسبوا أن الخير أماني تتمنى، من غير عمل يعمل.

لقد روي في السنة عن ابن عباس أنه قال: " دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهود، فرغبهم وحذرهم فأبوا عليه، فقال لهم معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة، وعقبة بن وهب: " يا معشر يهود اتقوا الله، فوالله لتعلمن - أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد كنتم تذكرونه قبل بعثه، وتصفونه لنا بصفته، فقال وهب بن يهوذا: إنا ما قلنا لكم هذا وما أنزل الله من كتاب من بعد موسى، ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده. فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية ".

وسواء أصح هذا سببا للنزول أم لم يصح، فإن الآية قد سيقت لقيام الحجة عليهم فيما ينكرون، وأنهم مأخوذون بما يدعون إليه، فإن قاموا بحق الإسلام، واستجابوا للرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد نجوا، وإلا فقد هلكوا، والتنكير هنا للتعظيم في شأن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولتعظيم بشارته وإنذاره، والمعنى قد جاءكم بشير ونذير هو أعلى المبشرين المنذرين، لأنه خاتم النبيين؛ ولأنه آخر لبنة في صرح النبوة، ولأن تبشيره وإنذاره قائمان إلى يوم القيامة، فلا نبوة بعده، ولا وحي ينزل على أحد من بعده فرسالته خالدة باقية، وبشير ونذير وصفان، وقد عطف ثانيهما على الآخر لتغايرهما في المعنى والمؤدى وإن كانا وصفين لشخص واحد، كما قال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>