للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتجه إليه، وقد أودعه الله سبحانه وتعالى مع ذلك عقلا به يميز الخير من الشر، والطيب من الخبيث، ويعتبر بماضيه وحاضره، وحاضر غيره وقابله. ولا بد من زواجر اجتماعية تنبه الضال، حتى لَا يستمر في ضلاله، وتوضح له بالعيان عقبى الشر، وثمرة الخير.

وهذان أخوان أحدهما غلب عليه الخير، حتى أنه لم يبسط يده ليقتل أخاه، مع أنه رأى بوادر الشر، والثاني غلبه الشر، حتى أنه ليستعديه الحسد على أخيه، فيقتله، ولقد ذكر الله تعالى في سابق الآيات ما كان من ابني آدم، ويذكر هنا ما سنه من نظم ليرى فيها النازعون إلى الشر ما يردعهم، فقال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ) أي من جرَّاء هذه الجناية التي ارتكبها أحد ابني آدم، ودلالتها على تغلغل الشر في نفوس بعض الناس، واستعدادهم لأن تكون منهم الجريمة في كل وقت وحين، كان لابد من رادع زاجر مانع، وهو العقاب - فـ " أجل " هنا معناها جناية، وقد فسرها كذلك اللغويون في معاجمهم، فذكر ذلك ابن منظور في لسان العرب، وذكره الأصفهاني في مفرداته، فقال: والأجل الجناية التي يخاف منها آجلا، فكل أجل جناية، وليس كل جناية أجلا، يقال فعلت كذا من أجله، قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)، أي من جراء ذلك، وقد فسر الأجل بالجناية أكثر المفسرين، وقد حقق الطبري الأصل اللغوي واستشهد بقول الشاعر:

وأهل ضباء صالح بينهم ... قد احتربوا في عاجل أنا آجله (١)

يعني بقوله: أنا آجله أي أنا الجارُ عليهم ذلك والجاني.

وقد أشار الأصفهاني إلى معنى جدير بالنظر وترديده، وهو أن الأَجْل هو الجناية التي يخاف منها آجلا، أي تكون لها عواقب وخيمة على الأشخاص، أو على الجماعات، أي الجناية التي لَا تنتهي مغبتها بوقت وقوعها، بل يكون لها آثار


(١) قد استعمل الشاعر التورية فعبر بـ (آجله) في مقابل (عاجل)، وأراد المعنى البعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>