مؤجلة بعدها، إن لم تعالج تلك الآثار. وكذلك كانت جريمة أحد ابني آدم، فإنها جناية قد فتحت باب القتل والقتال إلى يوم القيامة، وهي جناية دلت على مكنون النفس البشرية الذي استتر فيها من غلبة الحق والحسد على بعض النفوس، حتى طغت على كل عناصر الخير فيها، فهي جناية آجلها وخيم كحاضرها، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا تُقتل نفس ظلما، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه كان أول من سن القتل "(١).
و (من) هنا للسببية، أي سبب هذه الجناية كان ما شرعه الله تعالى من شريعة القصاص الخالدة الباقية لدفع الشر إلى يوم القيامة، وعبر عن السببية بـ " مِن "، لبيان الابتداء في الحكم، فمع كون من أجل ذلك دالة على السببية وتشير إلى ابتداء الحكم، وأنه مقترن بما وقع من جريمة كان لها آجل هو شر إن لم تقمع النفوس وتردع الأهواء التغلبة الطاغية.
وهنا معانٍ بيانية تجب الإشارة إليها:
أولها - في الكلمة السامية " كتبنا "، فانها تدل على تقرير العقاب، وتسجيله حتى لَا يقبل المحو، فإن الواجب الذي يكتب يكون مسجلا على القراطيس، ويبقى أثر الكتابة باقيا غير قابل للنسيان، وفيها إضافة الفرضية والكتابة إلى الله تعالت قدرته، وجل جلاله، وتقدست ذاته، وفي ذلك إشارة إلى عظمة المكتوب المفروض، وهو شريعة القصاص فهي شريعة عظيمة تمد المجتمع بحياة هادئة مطمئنة، إذ تحميه من أوضاره أن تتغلغل في كيانه ومن شراره من أن يتحكموا في خياره.
(١) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (أي ابن مسعود) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ ". متفق عليه؛ رواه البخاري: أحاديث الأنبياء - خلق آدم صلوات الله عليه وذريته (٣٣٣٦)، ومسلم: القسامة والمحاربين والديات والقتل - بيان إثم من سن القتل (١٦٧٧).