للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأرجلهم من خلاف، وإذا سرقوا وقتلوا قتلوا وصلبوا، وإذا تجمعوا واتفقوا على ارتكاب الجرائم من غير أن يرتكبوا بالفعل كان النفي من الأرض، أم تقصد حقيقة التخيير بأن يكون الإمام مخيرا غير مقيد بنوع في حال، وبنوع آخر في حال أخرى يرتكبون فيها جريمة معينة، بل ترك الأمر لتقديره، وهو ينظر إلى مقدار الترويع بما يتناسب مع قوة الجناة من غير نظر إلى نوع ما ارتكبوا من جرائم، ولا إلى مقداره إنما ينظر إلى مقدار الزجر والردع.

ولقد قال بالقول الأول، وهو أن " أو " لتنويع العقوبات بتنوع الجرائم بعض الصحابة والتابعين وجمهور الفقهاء، وقال بالقول الثاني بعض التابعين، ومالك والظاهرية.

لقد روي عن ابن عباس أنه قال: (إذا قتلوا وأخذوا المال قُتلوا وصُلبوا، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا نفوا من الأرض، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا نفوا من الأرض) وبهذا القول أخذ الشافعي وأحمد وأبو حنيفة، وبذلك تكون العقوبات أربعة أقسام، مقسمة على أقسام الارتكاب، والحجة لهذا الرأي الآثار المروية عن الصحابة، والفقه في الموضوع أن هذه العقوبات لجرائم مختلفة المراتب، فيجب أن تكون تابعة لقوة الجريمة، وليس من المعقول أن جريمة الاتفاق والإرهاب تتساوى مع الإرهاب والقتل بالفعل، أو الإرهاب والقتل والسلب، أو الإرهاب والسلب بالفعل، فالعدالة توجب ذلك التنويع وعلى ذلك يكون التخيير المأخوذ من كلمة " أو " هو لتنويع العقاب وليس لمطلق التخيير، وإلا كان مؤدى التخيير أنه يجوز للإمام أن يكتفي بنفي الجناة إذا قتلوا أو سرقوا، وأن ذلك باطل بالإجماع؛ لأن السرقة توجب القطع، فكيف بالسرقة الكبرى التي يكون فيها ذلك التجمع الآثم، وإذا كان التخيير لَا يمكن أن يفسر بالتخيير المطلق لهذا المعنى، فإنه يجب أن يفسر بالتنويع، لأنَّ تفسيره بغيره يؤدي إلى ذلك الوجه الباطل، وما يؤدي إلى الباطل باطل، وإن التخيير المطلق في العقوبات إذا كان السبب الموجب للعقاب واحدا،

<<  <  ج: ص:  >  >>