للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ككفارة اليمين، فإن السبب هو الحنث وهو واحد، وكان التخيير في الكفارة بين العتق، وإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أما إذا اختلف السبب، فإنه لَا بد أن يكون التخيير للتنويع، والعقوبات هنا قد اختلفت أسبابها، فإن منها القتل، ومنها السرقة، ومنها الجمع بينها، ومنها مجرد الإرهاب والإزعاج، ولا يمكن أن تكون العقوبة واحدة لكل من هذه الجرائم، فلا بد من أن تختلف باختلاف أسبابها، وتكون لذلك " أو " لترتيب العقوبات تبعا للجرائم، ويذكر الكاساني أنه روي خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا، فقد قالوا: أنه لما قطع أبو بريدة الأسلمي بأصحابه الطريق على أناس جاءوا يريدون الإسلام، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " إن من قَتل قُتل، ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، ومن قتل وأخذ المال صلب، ومن جاء مسلما هدم الإسلام ما كان قبله من الشرك " (١). ويكون هذا النص النبوي معينا أن " أو " ليست لمجرد التخيير ولكن للتنويع، وقد وردت الصيغة التي تدل بظاهرها على التخيير، فقد قال تعالى: (. . . قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا).

ولا شك أن اللفظ، وإن كان ظاهره تخيير ذي القرنين بين أي الأمرين يختار، ولكن لَا يمكن أن يكون له الحق في أي الأمرين من غير مرجح لأحدهما في الاعتبار، ومنطق العدل الذي أوجبه الله على ذي القرنين والحكام العادلين أن يعذب من أبى وفسق عن أمر ربه ليرتدع غيره وينزجر، وأن يتخذ الأمر الحسن والرفق مع من استقام أو ترجى استقامته.

وعلى ذلك لَا تكون " أو " ممحضة للتخيير، ولكنها تحتمل التخيير والتنويع، وقد ورد النص النبوي والآثار الصحاح عن الصحابة الذين تلقوا علم النبوة عن


(١) روى ابن جرير الطبري (ج ٦، ص ١٣٢) عن ابن عباس، قوله تعالى: (إنما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّة وَرَسُولَه. . .) إلى قوله: (أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ) قال: إذا حارب فقَتَل، فعليه القتل إذا ظُهِر عليه قبل توبته. وإذا حارب وأخذ المال وقَتَل، فعليه الصلب إن ظُهِر عليه قبل توبته. وإذا حارب وأخذ ولم يقتل، فعليه قطع اليد والرجل من خلاف إن ظُهِر عليه قبل توبته. وإذا حارب وأخاف السبيل، فإنما عليه النفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>