للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن هذا التحليل اللغوي يفيد أن معنى قوله تعالى: (جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ). أن هذا العقاب فيه جزاء للجريمة وكفاء لها، وقد أشرنا إلى معنى ذلك، ويفيد أن هذا العقاب منع من الارتكاب، فإنه ينكل بالجاني، لكيلا يقع في الفعل غيره، أي لكي يكون ذلك التنكيل سببا في أن ينكل الغير عن الفعل.

والآن نتكلم عن معنى السرقة التي توجب قطع اليد، وهنا ننتقل من المعنى اللغوي للكلمة، إلى المعنى الشرعي المستمد من أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن المأثور عن صحابته، ومما فهمه السلف من فقهائنا الأمجاد، رضي الله تبارك وتعالى عنهم.

لقد اتفق علماء الشريعة على أن السرقة أخذ المال على سبيل الاستخفاء، وهذا معنى فقهي يلتقي مع المعنى اللغوي، ولكن الفقهاء زادوا قيدا في هذا المعنى، وهو أن يكون الأخذ من حرز مثله، أي يكون المال محرزا مصونا محفوظا معنيا بحفظه العناية التي تليق، وقد قال الفقهاء رضي الله عنهم: إن الأخذ على سبيل الاستخفاء هو ركن السرقة، وكون الأخذ لمال محزر محفوظ حفظا يليق بمثله شرط لاستحقاق العقوبة المحدودة التي ذكرها الشارع الحكيم.

وإذا كانت السرقة لَا يتحقق ذكرها إلا إذا كان الأخذ على سبيل الاستخفاء، فإنه لَا يكون المغتصب سارقا، ولا يكون المختلس سارقا، وقد فرقوا بين المختلس والسارق فقالوا: إن السارق يكون مختفيا غير معلوم للمسروق منه، أما المختلس فإنه لَا يكون مختفيا، بل يكون ظاهرا ولكن يأخذ في غفلة من صاحب المال، والجمهور على أن الاختلاس لَا يعد من السرقة فلا تقطع فيه اليد، ولقد خالف الجمهور إياس بن معاوية القاضي، وأوجب القطع على اعتبار أن فيه نوع استخفاء، وإن كان في العمل، ولم يكن في الشخص، وأن لذلك الرأي وجاهته من ناحية العمل، ومن ناحية المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>