مع الشرطين السابقين أن يتحقق معنى هتك حمى الحرز، وهو موضع الأمانة التي تنتهك حرماتها.
* ويظهر أن الكثيرين من الفقهاء يشترطون مع ذلك أن يكون المكان المسروق منه في وسط الأحياء العامرة في المدائن أو القرى، ليتحقق معنى الحرز والمحافظة، وكذلك قرروا أن البيوت التي تكون في البساتين أو الطرق أو الصحراء وليست في العمران إذا لم يكن بها أحد وسرقت مع اتخاذ المغاليق، وضبط الأبواب، لَا يكون ثمة قطع يد؛ لأن من ترك متاعه في مكان خال من الناس والعمران لَا يعد حافظا له، وإن أغلق بابه وأحكم الإغلاق.
بينا في هذا معنى السرقة الموجبة للقطع من حيث ذات الفعل، وبقي أن نتكلم في محل السرقة،، وهو المال المسروق، فليس كل مال يؤخذ ولو كان محرزا ومحفوظا، وبين الناس، يعد أخذه موجبا للقطع، وقد قالوا: إن المسروق يجب أن يكون مالا متقوما، لَا شبهة فيه، ولا قصور في ماليته بأن يكون مما يتموله الناس، ويعدونه لأغراضهم المختلفة، ويتنافسون في طلبه، وعلى ذلك لا يصح أن يكون المال من توافه الأموال كالتراب والطين وما يشبههما مهما تبلغ قيمته.
ولا بد أن يكون المال المسروق مملوكا لمن سرق منه ملكية قطعية لَا شبهة فيها، فلا قطع في أخذ مال مباح، ولا في المال الذي كان أصله مباحا، وامتلك بالإحراز كالماء والصيد (١).
وهناك نوعان من المال قرر الفقهاء أنه لَا يقطع من أخذهما استخفاء من حرز مثلهما:
(١) روى الترمذي: الحدود - ما جاء في درء الحدود (١٣٢٤) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْرَءُوا الحُدُودَ عَنِ المُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي العَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي العُقُوبَةِ ". وَفِي الْبَاب عَنْ أبِي هُرَيرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو.