للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا وهناك ملاحظة لفظية يجب اعتبارها، والوقوف عندها وقد وقف بعض الباحثين عندها، وهو أن الله سبحانه وتعالى عبر عن الذي يستحق القطع بقوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا).

فقد قرر بعض الباحثين أن كلمة " السارق "، و " السارقة " وصفان وليسا فعلين، والوصف لَا يتحقق في الشخص إلا بالتكرار، فلا يقال لمن ظهر منه الجود مرة أنه جواد، ولا لمن وقع منه الكذب مرة ولم يتكرر كذاب، ولا للفاسق الذي لا يقول الحق، والمنافق الذي يخفي ما لَا يبريه إذا صدق مرة أنه صادق أو صدوق، إنما تقال هذه الأوصاف لمن يتكرر منه فعلها، حتى تكون اسما له وعنوانا يعرف به.

وبتطبيق هذا القول على من تقع منه السرقة لَا يكون مستحقا للقطع إلا من تكررت منه السرقة، وعلى حد تعبير القانونيين يكون ذلك العقاب للسارق العائد.

ويزكي هؤلاء الباحثون نظرهم - أولا - بأنه ثبت في أخبار المخزومية التي سرقت وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقطع يدها (١) أنها كانت معتادة السرقة، لأنها كانت معروفة بأنها لَا ترد الودائع التي تودعها، ولا العواري التي تستعيرها، فكان الأمر بالقطع من النبي - صلى الله عليه وسلم - واقعا على امرأة قد اعتادت الاعتداء على الأموال بجحود الودائع والعواري والسرقات.

وثانيا - أنه روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه. . لما أراد قطع يد شاب سرق قالت له أمه: اعف عنه يا أمير المؤمنين، فإن هذه أول مرة، فقال عمر


(١) عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ المَرْأَةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا ". [متفق عليه، رواه البخاري: الحدود - كراهية الشافاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان (٦٧٨٨)، ومسلم: الحدود.

<<  <  ج: ص:  >  >>