للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تميزوا بهذا الاسم، وإن اشتركوا معهم في معنى النفاق، ويكون قوله تعالى (مِنَ) بعد (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) وصفا للفريقين معا، لأنه يجمعهم المسارعة في الكفر، هذا أحد مخرجين للآية الكريمة، وهو يتفق مع إحدى القراءتين (١)، وهي التي لَا يكون فيها الوقف عند قوله تعالى: (وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) بل تكون القراءة متصلة. والقراءة الثانية أن يكون الوقف عند قوله تعالى: (وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) ويكون قوله تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا). استئنافا لفريق آخر، ويكون قوله تعالى (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ)، وصفا لليهود، ويكون المعنى أن الذين يعاندون النبي - صلى الله عليه وسلم - فريقان: أحدهما - منافق يعلن الإيمان، ويبطن الكفر وسبب جحودهم أنهم مردوا على النفاق، وضعفت نفوسهم، وانحل موضع اليقين في قلوبهم لسماع الباطل من القول، والزور من الدعاوى، حتى اختلط عندهم الحق بالباطل، وفقدوا التمييز بينهما بسوء ما يصنعون، وكلا الفريقين يلتقي عند مصب الجحود والنكران، والمسارعة في الكفر، وإن كان قوله تعالى: (يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ). غير متجه إلى اليهود من حيث النسق البياني على القراءة الثانية فإنه من حيث التضمن والواقع ينطبق عليهم وصف المسارعة على الكفر، والتنقل في دركاته.

وفى الحق، إن القراءتين (٢) مقصودتان من حيث المعنى، والقراءة الأولى معناها مقصود بالنص، والقراءة الثانية (كذلك) وكلتاهما قرآن يتلى ويفهم، ويراد معنى، كُلا ومنفردا.

وقوله تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ). هو وصف للفريقين على إحدى القراءتين، أو على مجموع القراءتين، وسمَّاع صيغة مبالغة من سامع، أي من صفاتهم التي صارت فيهم خصلة من خصالهم أنهم كثيرو سماع الكذب، قد استمرأته قلوبهم وأسماعهم، يجدون لذاذة في الاستماع، ويصل إلى قلوبهم


(١) عبر بالقراءة، وأراد الوقف (في أثناء القراءة).
(٢) أي الوقفين. والقراءات المتواترة توقيفية من عند الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>