للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيفسد موضع التفكير والتدبر، كأولئك الذين يلقون بأسماعهم في الخرافات، فيتقبلونها كأنها حقائق ثابتة لَا مجال للريب فيها عندهم، فهم بهذا ضالون، وتكون اللام في قوله تعالى: (لِلْكَذِبِ)، للتعدية، أو لتقوية التعدية، وأن السماع منصب على الكذب، وقال بعض اللغويين: إن اللام للتعليل أي سماعون لأجل أن يكذبوا، وأحسب أن التخريج الأول أقرب إلى القبول؛ لأن ذلك وصف لهم، فهو غير معلل، وهو يدل على فساد قلوبهم من داخلها، لَا من أمر خارج فقط، وقد بين سبحانه الذين يستمعون إليهم، والذين يغذون قلوبهم المملوءة بالصديد والدم، فقال سبحانه وتعالى: (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأتُوكَ) أي أنهم يكثرون سماع الباطل ويكثرون من سماع قوم آخرين لم يأتوك لهم تأثير فيهم، فاجتمع فيهم فساد الباطن الذي جعلهم لَا يستمرئون إلا سماع الشر، ووجود من يستغلون فيهم ذلك الضعف القلبي، فيعملون على استهوائهم إلى الباطل، والتعبير بـ " قوم آخرين "، فيه إشارة إلى أن أولئك الذين يستمعون إليهم بعيدون عن سلطان الدعوة الإسلامية، إذا كان البعد حسيا، أو بعيدون عن قبول قوله إذا كان البعد معنويا، وكلاهما يشمله القول.

وفى الجملة: إن في هذا تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث إن الذين يسارعون الكفر من المنافقين واليهود إذا كانوا يتنقلون في دركات الجحود، ولا يستمعون إليك، فلأنهم يجيئون إليك وقلوبهم مملوءة بالباطل، والإيمان الصافي يحتاج إلى آنية صافية من كدرة الهوى، وأخباث الشر، وإذا كان فيها شيء من ذلك فإشراق الإيمان قد يذهب به إذا لم يكن ثمة تغذية له من كلام الآخرين، واستمراء الباطل.

وقد وصف الله الذين يمرقون عن الحق مروق السهم من الرمية ويدعون إليه بقوله تعالت كلماته: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ) الكلم اسم جنسي جمعي لكلمة، فهو معناه كلام، والتحريف أصله من

<<  <  ج: ص:  >  >>