الحرف، وهو طرف الشيء، ومعناه إمالة الكلام عن معناه، وإخراجه عن أطرافه وحدوده، والتحريف يكون على ضروب شتى فيكون بتغيير الألفاظ والزيادة فيها والنقص منها، وذلك تحريف في اللفظ والمعنى، وإما أن يكون التحريف بتفسير الكلام بغير ما تدل عليه الألفاظ، وتوجيه المعاني إلى غير مقاصدها، ويكون التحريف بإدخال احتمالات في الألفاظ، وهي غير قابلة لها، وقد قال الأصفهاني في هذا المعنى:" وتحريف الكلام أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن على الوجهين " وقد خرج على هذا المعنى النص الكريم الذي نتكلم في معناه.
واليهود حرفوا التوراة بكل أنواع التحريفات، فزادوا فيها كلمات ليغيروا المراد فيها، ففي تحريم الربا زادوا كلمة " أخاك الإسرائيلى " ليجعلوه محرما بين الإسرائيليين فقط. وحذفوا منها عبارات، وأتوا بقصص مكذوبة كقصص ابنتي لوط، وحملوا ما بقي من عبارات من غير زيادة فيها أو نقص على غير معانيها، أو جعلوها محتملة لغيرها، ورجحوا غير الظاهر على الظاهر، وحذفوا منها ما كان فيه التبشير بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله تعالى:(مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ). أي من بعد استقرار مواضعه، وبيان حلالها وحرامها، وفي آيات كثيرة كان التعبير القرآني، يحرفون الكلم عن مواضعه، أي يصرفونه عن مواضعه بزيادة أو نقص، والتعبير هنا هو قوله تعالمت كلماته:(مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ). أي من بعد استقرار أحكامه وهو مناسب للمقام هنا؛ لأن الموضوع، كما تدل الآيات التالية مسوقة لتغييرهم في الأحكام، ومحاولتهم العبث بها.
وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ما كان يقوله القوم الآخرون الذين يسمعون لهم؛ فهم يعطونهم معلومات محرفة باطلة عن التوراة وما فيها، ويقولون للسامعين لهم: إن أوتيتم هذا فخذوه، أي إن آتاكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذا الذي هم عليهم فإن لهم أن يقبلوه، وأن هذا كقول الله تعالى فيهم حاكيا عنهم قوله: