للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ. . .)، وإن هذه الحال هي أبلغ الضلال الذي ينال العقول، وهو الفتنة التي تعتريها، ولذلك قال سبحانه:

(وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا). الفتنه هنا: الضلال واستهواء النفوس إليه، وذلك أن الفتنه تطلق بمعنى الاختبار الشديد، والوقوع في البلايا والشدائد والنوازل، وأن هؤلاء قد اختبرت نفوسهم بما سلط عليهم من باطل ودعوات إليه، وسقطوا في الاستجابة لهذا الشر، فكانت هذه هي الفتنة التي وقعوا فيها باختيارهم، واستهوتهم الأهواء الردية، ووقعت بهم البلايا الشديدة، وقد أراد الله تعالى أن يقعوا فيها باختيارهم، فالضلال باختيارهم وسلوكهم سبيله، وتجانفهم عن طريق الحق، والله تعالى أراد لهم ما اختاروا.

وقد بيَّن الله تعالى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَا يملك أن يزيل عنهم ذلك الضلال لأن من يرد الله فتنته وضلاله بكتابة ذلك عليه، وتسجيله في لوحه المحفوظ، فلن يملك أحد دون الله شيئا في ذلك، فلا يستطيع تغييره، وأنت يا نبي الله لا تستطيع التغيير فلا تحزن لضلالهم، ولا تهتم لما يقعون فيه: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدي مَن يَشَاءُ. . .). (أولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّه أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ).

إن هؤلاء الذين أركست نفوسهم في الشر والضلال، حتى صار النفاق دأبهم، وتحريف القول بعد استقرار مواضعه طريقهم، واستمراؤهم للكذب يستمعون إليه وصفهم - أولئك المتصفون بهذه الصفات لم يرد الله تعالى أن يطهر قلوبهم، ذلك أن قلوبهم اكتسبت سيئات تراكمت وتكاثفت، حتى أربدت، وخالطها الشر وأصبح ملاصقا لها كأنه جزء من كيانها، والله سبحانه يأخذ بيد من يرتكب الشر عن جهالة، أما من اكتسبت نفسه الخطايا وأحاطت به، فإنه سبحانه وتعالى يتركه، لينال جزاء ما كسبت يداه؛ ولذا قال سبحانه:

<<  <  ج: ص:  >  >>