للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشذاذ الذين قالوا: إن نفس المرأة دون نفس الرجل، وبمثل قول هؤلاء الشذاذ كان يقول بعض الطوائف من اليهود، كما أخبر ابن عباس رضي الله عنه، وكان ذلك النص الكريم للرد عليهم، وبيان الحق الذي جاءت به التوراة التي أنزلت على موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم.

وإن نفس الحر كنفس العبد بمقتضى ظاهر هذا النص الكريم، لأن كليهما يشترك في وصف الآدمية، وبذلك جاء الحديث النبوي الكريم: " من جوع عبده جوعناه، ومن قتله قتلناه " (١) فإن هذا الحديث صريح في المساواة بين نفس الحر ونفس العبد، ولو كان القاتل له مالكه الذي يملكه.

وإن هذا غير رأى جمهور الفقهاء إذ إنهم ينظرون إلى مالية العبد، ولا ينظرون إلى آدميته، وأما الذين قرروا أن السيد يقتل في نظير العبد، وأن العبيد يقتص لهم من الأحرار بمقدار ما أجرموا، فإنهم نظروا إلى آدميته والمساواة في النفس الإنسانية من غير نظر إلى كونه مملوكا أو مالكا، ومن غير نظر إلى كونه رقيقا أو حرا.

ولنا أن نقرر أن المساواة في الدماء بين الأحرار والعبيد هي الأمر الذي يتناسب مع مقاصد الإسلام إذ إن مصادر الإسلام وموارده تقرر منع ظلم العباد الذين كتب عليهم الرق، ولا شك أن أبلغ الظلم أن يقتلوا، والنبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة أوصى بالرحمة بهم، ولا شك أنه من الرحمة بهم احترام نفوسهم، وصيانة دمائهم، وأن الرق أمر عارض بالنسبة للعبيد، ولا يصح أن يكون الأمر العارض مزيلا للمعنى الإنساني الأصيل، بل هو ثابت فيهم لا يزول.

والنصوص العامة المتضافرة مثبتة وجوب القصاص في الأنفس من غير تفرقة بين نفس حر ونفس عبد، فالله تعالى يقول: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>