للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- بعيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام - مقتفيا آثارهم مصدقا لما بين يديه من التوراة. . . وهنا بحوث لفظية تتبين من ذكرها معاني النص الكريم: أولها - في معنى " قفينا "، فقد قال علماء اللغة ومفسرو البيان: إن " قفَّى " معناه عقب، ويقال قفَّيته بكذا أي أتبعته به، وهنا نجد المفعول محذوفا، فلم يكن النص قفيناهم بعيسى ابن مريم، وحذف لأن كلمة (عَلَى آثَارِهِم) تدل على المحذوف، إذ إن المحذوف هو النبيون السابقون الذي يحكمون بالتوراة، وكلمة " على آثارهم " تدل على أنهم هم الذين اقتفيت آثارهم.

وذكر كلمة " على آثارهم " تدل على أن عيسى - عليه السلام - لم يكن بدعا من الرسل، بل سبقه آخرون سلك مسلكهم في إقامة التوراة وما بقي منها غير منسوخ بحكم ما جاء في الإنجيل، وآثار أولئك النبيين هي الحكم الخالص لله الذي اتبعوه في تنفيذ أحكام التوراة، فآثارهم معنوية وليست مادية.

وقال علماء الاشتقاق في اللغة: إن كلمة قفى مأخوذة من القفا، وهو مؤخر الرقبة، يقال: قفا أثره إذا جاء من ورائه واتبعه في سيره حسا، ثم صار يطلق على السير وراءه معنى، كالشأن في كثير من الألفاظ التي تدل على معان حسية، فإنها تنتقل من بعد إلى مدلولات معنوية.

ثاني الأمور البيانية - هو في ذكر عيسى في القرآن مقرونا بكلمة " ابن مريم "، لأن ذلك يتضمن ولادته الحسية منها، وأنه قد تكون جسمه من جسمها كسائر كل المولودين من أمهاتهم، وفي ذلك إشارة إلى أنه محدث ككل المحدثات، وأنه كان من بعد أن لم يكن، وأنه لَا نسب له إلا من جهة أمه البتول عليها وعليه السلام، فليس له أب، وليس ابن الله تعالى، بل هو ابنها وحدها، ولا نسب له إلا إليها.

ثالثها - قوله تعالى: (مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ). وتصديق سيدنا عيسى للتوراة، لأنها كتاب في أصلها منزل من عند الله تعالى، فعيسى عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>