للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السلام يصدق أصل نزولها، وينفذ أحكامها إلا ما جاء نسخه في الإنجيل منها، ولو سايرنا الواقع عند النصارى في هذه الأيام لكان لذكر كلمة التصديق في هذا المقام معنى أعمق من مجرد التصديق بأصل النزول، بل بالتنفيذ، لأن الإنجيل ليس فيه أحكام عملية كثيرة، فأحكام الأسرة كلها مأخوذة عند النصارى من التوراة، وليس ثمة نص قاطع في الأناجيل التي بين أيدينا يغاير ما جاء في التوراة من أحكام تتعلق بالأسرة، ولا بأحكام العقوبات من حدود وقصاص، ولقد رويت عبارات عندهم منسوبة للمسيح - عليه السلام - تدل على العمل بأحكام التوراة، مثل قوله عليه السلام: " ما جئت لأنقض الناموس " وهو التوراة، ولعل التعبير بآثارهم يدل من بعد أو قرب على معنى هذا التصديق العملي، فضلا عن التصديق الاعتقادي والقولي.

وكلمة " بين يديه " تعبير قرآني، للدلالة، على أن التوراة كانت حاضرة قائمة وقت مجيء عيسى - عليه السلام - وعلمها عنده، وهو علم خالي من التحريف والتبديل، أوحى الله تعالى به إليه، ولفظ بين يديه في دلالته على الأمر المهيأ القائم من الاستعارات الرائعة، ومضمونها أن الأمر معلوم علما يقينا لعيسى ابن مريم عليه السلام كعلم المحسوس يكون موضوعا بين يديه.

ومن الفروق الدقيقة أن الله تعالى عبر عن مجيء عيسى بالإنجيل بقوله تعالت كلماته: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم). وعندما أخبر عن مجيء محمد - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن قال تعالت كلماته: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ. . .). فهو ليس منفذا، ولكن هو مسيطر وحاكم على ما سبق من كتب.

(وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ) عقب السيد المسيح - عليه السلام - الأنبياء الذين نفذوا أحكام التوراة، وطبقوها تطبيقا دقيقا من غير هوادة، ولا ظلم، ولا شطط مع الضعفاء، ومحاباة للأقوياء، وقد أعطاه الله تعالى قوة في رسالته، فأعطاه كتابا هو الإنجيل، وهو البشارة برحمة الله

<<  <  ج: ص:  >  >>