تعالى، والبشارة بمجيء نبي الرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم - والتعبير بـ " آتيناه الإنجيل " فيه إشارة إلى تقوية ما جاء به، وإشارة إلى أنه ليس كل ما في التوراة نافذا وإن كان جله نافذا، وخصوصا ما يتعلق منه بتنظيم المجتمع في كل درجاته من الأسرة الصغرى إلى الأسرة الكبرى، وهي الإنسانية في أقاليم الأرض، فالإنجيل قد جاء بشريعة متممة لما جاء في التوراة من غير نقض لها.
وقد وصف الله سبحانه الإنجيل بأوصاف ثلاثة، وبين أنه مشتمل على أمرين، وجملة ما ذكر القرآن الكريم - تعالت كلمات الله - أن فيه خواص خمسا؛ وهي أن فيه هدى، وأن فيه نورا، وأنه مصدق للتوراة، وأنه هو ذاته هدى، وأنه موعظة للمتقين.
ولنتكلم بكلمات موجزات في معاني كل خاصة من هذه الخواص، لتتبين المغايرة بينها، ولتتميز كل خاصة عن أخواتها وإن كانت متقاربة في معانيها، ومتلاقية في غايتها:
والخاصة الأولى - أن فيه هدى؛ أي أنه اشتمل على الهدى، وهو الدلالة الحق على تنزيه الله تعالى ووحدانيته، وأنه المستحق للعبادة وحده، وأنه ليس بوالد ولا ولد، وأن عيسى هو ابن مريم وحدها، ونسبه إليها، وليس له لله تعالى نسبة إلا أنه خلقه بكلمة كن فيكون، فهو بهذا المعنى كلمة الله تعالى، وقد ألقاها إلى مريم، وروح القدس وهو جبريل الذي بلغها، وفيه بيان أن عيسى - عليه السلام - رسول الله تعالى وقد خلت من قبله الرسل.
وهذه الهداية تقرير للحقيقة الثابتة من مبدأ الوجود؛ لأنها تدل على صفات منشئ هذا الوجود.
أما الخاصة الثانية - فهي أنه مشتمل على نور مرشد موجه هاد، فإذا كانت الخاصة الأولى مقررة لأمر ثابت قد وقع، فالخاصة الثانية مثبتة لأمر آخر يتعلق بالمستقبل، وهو أنه يضيء وينير لتمييز الحق من الباطل، وبين ما جاءت به رسالة