للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المسيح من دعوة البشر إلى الخير وإلى صراط مستقيم فالإنجيل بإضافة هذه الخاصة إلى سابقتها يكون مشتملا على أمرين: أولهما - تقرير للحقيقة الثابتة الخالدة، وهي وحدانية الله تعالى في الإنشاء والتكوين، والذات والعبادة. وثانيهما - أنه مرشد إلى مكارم الأخلاق ومنير العقول لإدراك المستقبل، ويدخل في ذلك بشارته بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو " البارقليط " كما جاء في نسخة متى، وكما قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام: (. . . وَمبَشِّرًا بِرَسولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ. . .).

والخاصة الثالثة - وهي وصف لذات الإنجيل، وقد ذكرها سبحانه بقوله تعالى: (مصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ). أي أن الإنجيل قد كان بذاته مصدقا للتوراة من حيث صدق نسبتها إلى الله تعالى قبل تحريفها، وقبل أن ينسوا حظا منها. ولا تكرار في وصف التصديق، لأن ما ذكر أولا كان وصفا لعيسى - عليه السلام - إذ قال سبحانه: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آتارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا). وأما ما ذكر هنا فهو وصف للإنجيل نفسه، وكأن التصديق من جانب عيسى - عليه السلام - للتوراة جاء من ناحيتين، من عيسى، ومن الإنجيل ذاته، وتلاقى التصديقين يفيد إقرار أكثر أحكام التوراة الاجتماعية والقانونية، ويفيد أن رسالة الرسل متصلة موصولة، حتى يختمها محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو خاتم النبيين، وآخر لبنة في صرح الرسالات الإلهية.

والخاصة الرابعة - وهي من صفاته الذاتية أنه هو ذاته هدى، وسبب وصفه بهذا الوصف بعد ذكر أنه قد اشتمل على هدى ونور هو استمرار الهدى له، وللإشارة إلى أنه منزل من عند الله تعالى، وهو بهذا الوصف يكون فيه دلالة ذاتية على الحق، ولأنه بشارة بنبي يرسل من بعد عيسى اسمه أحمد، وكان الهدى في هذا المقام وصفا ذاتيا؛ لأنه مأخوذ من اسمه؛ إذ إن الإنجيل معناه البشارة، ولعله سمى إنجيلا، لأنه الكتاب المنزل الذي كان فيه البشارة المباشرة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - بعبارات إن لم تكن صريحة فهي واضحة كالصريحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>