للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

باتباعه، وكان دخول " أنْ " المصدرية على الفعل الأمر، للدلالة مع المصدرية على الطلب وتأكيد معناه، وهي معطوفة على: " بالحق ".

ثالث هذه التخريجات هو أن تكون " أنْ " هي المخففة من الثقيلة وضمير الشأن اسمها محذوف، أي الحال والشأن أن تحكم به بينهم، وتكون معطوفة على الكتاب، و " أنزلناه " بمعنى أعلمناك، لأن العلم هو الغاية.

وقد كان النهي عن اتباع أهوائهم فيه إشارة إلى أن الحكم إما أن يكون بما أنزل الله تعالى وأعلمه بحكمته وهدايته، وإما أن يكون اتباعا لأهواء الناس ورغباتهم، وذلك لأن القوانين البشرية تتبع الأعراف الاجتماعية للناس، وما تواطئوا عليه وما ارتضوه لذات أنفسهم، وقد يكون ظلما طبقيا، وقد يكون هضما لحقوق ذوي الحقوق التي اكتسبوها بما ينمي ثروة الجماعة ويزيد خيراتها، وشرع الله تعالى مخالف لحكم الهوى والشهوة وهو الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال.

(وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) هذا أمر موجه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو موجه إلى الأمة الإسلامية، ولعل توجيه الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو المعصوم الذي يوحى إليه، ليكون تحذيرا لغيره؛ إذ غيره أولى أن يَغُره الغرور، وتفتنه الفتن، من شهوات مسيطرة، وأهواء متحكمة، وبذلك يكون الخطاب لجميع المخاطبين بالقرآن الكريم في كل العصور، ومختلف الدهور؛ لأنه إذا كان النبي عليه السلام يجب أن يحذر من أن يُفتن فلا ينفذ أحكام الإسلام في الحكم بين الناس، فغيره الحذر عليه أوجب، وأشد إلزاما.

والفتنة هنا معناها وقوع البلاء والشدة بعدم الحكم بما أنزل الله، ولقد قال في معنى هذا النص وما يشبهه الأصفهاني في مفرداته: " وقال تعالى: (وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ) أي يوقعونك في بلية وشدة في صرفهم إياك عما أُوحي إليك ".

فالفتنة المراد بها هنا النتيجة المترتبة عن ترك الحكم بما أنزل الله تعالى، وأنه ليسبق تلك النتيجة إغراء من جانب الذين يتبعون أهواءهم، ويحاولون أن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>