للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهنا يتكلم العلماء في بعض الذنوب التي سببت ما أصابهم الله تعالى، وما هي هذه الإصابة التي يصيبهم الله تعالى، وقد ذكروا وجهين، وأرى وجها ثالثا.

الوجه الأول - ما ذكره الزمخشري: أن هذه الذنوب التي هي بعض ذنوبهم، إهمالهم لحكم الله تعالى، واختيارهم حكما جاهليا يخضع للهوى، لا للعدل، والإصابة التي يصيبهم بها هي هذا الذنب الذي ارتكبوه، وما يترتب عليه من ظلم يقع، وشر لَا يدفع، لتنفيذ حكم الله مع أنه طاعة وهو العدل، والعدل إذا ساد عاشت الجماعة كلها في أمن وسلام، ورحمة واطمئنان، وعدم تنفيذ حكم الله هو الظلم والاضطراب والفساد.

الوجه الثاني - هو ما ردده أكثر المفسرين من أن الذنوب التي ارتكبوا بعضها يعاقبهم الله تعالى عليها بالشدائد تنزل بهم، ومن أعظم هذه البلايا أن يعم الفساد، وتصير أمورهم فوضى، لَا ميزان يضبطها ولا قسط يقيمها، وتكون الجماعة متدابرة متنازعة.

الوجه الثالث الذي اختاره، أن عدم تنفيذ العدل أو عدم الخضوع لأحكام الشرع هو في الواقع ثمرة لمفاسق تسبقه، فالنفس تتردى في مهاوي الرذائل، وتحيط بها الخطايا، ويتحكم فيها الهوى، وتصير أمة للذات والشهوات فتتمرد عن حكم الله تعالى، ويكون ذلك نتيجة لإصابتهم بذلك الذنب الكبير الخطير، وهو الإعراض عن حكم الله، وهو ذاته إصابة وكارثة، لأنه العدل والقسطاس، وأي جماعة تعرض عن العدل والقسطاس مآلها الخراب والدمار، وذهاب القوة، وإصابتها بالذلة، فلا عزة إلا عزة الحق، ولا ذلة إلا في الظلم.

وإننا رأينا هذه الحقيقة ثابتة، فأولئك الذين يتمردون على حكم القرآن والسنة قد مست نفوسهم معاص جعلتهم يستبيحون المحرمات من زنى وشرب للخمر، وإدمان في الربا، أو بناء الاقتصاد عليه، وهذه الذنوب هي التي منعتهم من إطاعة حكم الله، وإن الله يصيبهم بنتائج ذلك وهو الخراب الناشئ من

<<  <  ج: ص:  >  >>