عن الإيمان، وهو خير، بالشر من قبيل المشاكلة لتفكيرهم، كأنه قيل إذا كنتم تنقمون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيمانه وتحسبونه شرا لَا خير فيه فشر منه عاقبة ومآلا ما أنتم عليه من لعن وطرد من رحمة الله، ومن وقوع في غضبه ومن مسخكم قردة وخنازير.
وقيل: إن الإشارة إلى فسقهم، ومؤدى الكلام على هذا أن هناك ما هو شر من فسقهم وجحودهم، وهو ثمرة فعلهم، وتلك الثمرة هي اللعن والطرد من رحمته، ومسخهم قردة وخنازير، وكأن قوله:(أَكْثَرَكمْ فَاسِقُونَ) فيها حكم بالفسق الدائم المستمر في اليهود الذي يتوارثونه جيلا بعد جيل، حتى صار ذلك كالجبلة فيهم والغرائز الموروثة، وقوله تعالى:
(أُوْلَئِكَ شَر مَّكَانًا) بيان لثمرة فسقهم. ولكن الظاهر هو الأول؛ لأن المقابلة واضحة في هذا النص الأخير، إذ فيه مقابلة ما عليه أهل الإيمان بما آل إليه أمرهم.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى حالهم في الدنيا والآخرة، فقال تعالت كلماته:
(مَن لَّعَنَه اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْه وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغوتَ) المقابلة هنا بين من آمنوا بالله ورسَله، وبين من أنزل بهم سبحانه ما أنزل، وقد ذكرهم مقرونين بما أنزله سبحانه، ومعنى من لعنه الله، أنه طردهم من رحمته، رحمة الإيمان وإدراك الحق والقرار والاطمئنان في الدنيا، وضرب الذلة عليهم إلا بحبل من الناس، وإن استقروا زمانا فإلى طرد مستمر، هكذا كان ماضيهم، وهكذا يكون حاضرهم إن شاء الله تعالى، وإنهم في الآخرة في السعير يدوم عليهم عذابها.
والأمر الثاني - الذي ينزله تعالى بهم هو غضبه عليهم، وسيعاملون في الدنيا والآخرة على مقتضى حكمته في غضبه وعدم رضاه.
والأمر الثالث - أن الله سبحانه وتعالى جعل منهم القردة والخنازير، وقد سار الفسرون على الأخذ بظاهر اللفظ، وقالوا: إن الله تعالى مسخهم قردة