وخنازير حقيقة، بل أفرط بعضهم فزعم أن القردة والخنازير خلفوا نسلا لهم، ولكن الحقيقة أن القردة والخنازير كانت قبلهم، وقوله تعالى:(وَجَعَلَ مِنْهمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) مبالغة في المشابهة بينهم، حتى كأنهم الأصل في هذين النوعين من الأحياء.
ومع أن المفسرين قد أخذوا بظاهر الألفاظ من غير تأويل، قد روي عن مجاهد الذي تلقَّى التفسير عن ترجمان القرآن ابن عباس أن المراد بمسخهم قردة وخنازير مسخ قلوبهم، فصاروا في نزواتهم، واستيلاء الشهوات على نفوسهم وعبثهم بكل مقدرات القيم الخلقية كالقردة، كما صاروا في قذارات نفوسهم، وتطلبهم للقذر من المكاسب كالخنازير إذا يطلبون القذارات يأكلونها، وتنمو أجسامهم عليها.
وقد قال ابن كثير في تفسيره ما نصه عن مجاهد:" فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين، فقال: مسخت قلوبهم، ولم يمسخوا قردة، وإنما هم مثل ضربه الله تعالى:(. . . كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا. . .). وهذا سند جيد عن مجاهد وهو قول غريب (الجزء الأول من تفسير ابن كثير ص ١٠٥ طبع التجارية).
وعندي أنه لَا غرابة، وإن كان الأكثرون يستغربونه، وإنه قد وردت أحاديث قد تفيد هذا، فقد روي عن ابن مسعود أنه قال: " سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القردة والخنازير أهي من نسل اليهود؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله لم يلعن قوما قط فمسخهم فكان لهم نسل، ولكن هذا خلق كان فلما غضب الله تعالى على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم "(١).
(١) رواه أحمد: مسند المكثرين - مسند عبد الله بن مسعود (٣٧٣٩).