ولقد بين سبحانه وتعالى بعد أخلاق اليهود، ومن يشاكلهم من أهل الكتاب، فقال:
(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا) في هذا النص الكريم يبين سبحانه وتعالى عدم رجاء الإيمان من أكثر اليهود، ذلك أن اليهود ليسوا طلاب حق، فيهتدوا إن بدت معالمه، وظهر نوره، بل هم قوم أكل الحقد قلوبهم، واستولى الحسد على نفوسهم، فهم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، فإذا جاءهم النور ممن يحسدونهم لَا يزيدهم ذلك إلا بغيا وظلما وكفرا.
وقد أكد سبحانه وتعالى فساد قلوبهم بالقسم المطوي باللام الموطئة له، وبنون التوكيد الثقيلة لكي ينتفي الرجاء في إيمانهم، وليعاملهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده من المؤمنين على أساس مكنون نفوسهم، وخبايا أحاسيسهم، والطغيان: الظلم الذي يتجاوز كل حد معقول، والذي يبعث عليه الشره وفساد النفس، وزيادة الطغيان، وسببه أن ما أنزل إلى النبي جاء على غير ما يريدون، وأنهم حاسدون، وزيادة بالكفر بالإصرار عليه، وبزيادة مقدار ما يكفرون به من آيات، وبالعناد واللجاجة التي استولت عليهم.
(وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). (بَيْنَهم) يعني في جمعهم؛ لأن البين هو الفاصل الذي يكون بين شيئين، ويطلق البين ويراد به ما يلقى أمام الشخص، ومن ذلك قوله تعالى:(. . . مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ. . .). وقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّموا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرسوِله. . .). وقوله تعالى (. . فَقَدِّموا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً. . .).
والعداوة هي البغضاء المعلنة التي يناوئ فيها المبغض من يبغضه جهارا، والبغضاء هي الكراهية المستكنة والمعلنة، وعندي أنهما معنيان مختلفان، فالعداوة المناوأة الظاهرة، والمقاومة المعلنة، والبغضاء هي الكراهية التي تكون في القلب،