للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهما معنيان متغايران، وإن كانا متلازمين أحيانا، فلا عداوة من غير بغضاء، ولكن قد يفترقان فتوجد البغضاء من غير إعلانها، أي من المناوأة والمقاومة.

والضمير في قوله تعالى: (بَيْنَهمُ) يعود على اليهود، لأن الحديث عنهم، ولا يدخل فيه النصارى، وقد فهم بعض المفسرين أنه يعود على اليهود والنصارى، والعداوة بين الفريقين مستحكمة إلا عند الذين غللوا من نصرانيتهم وكادوا يكونون يهودا في أعمالهم.

والواضح أن الضمير يعود على اليهود وحدهم، وقد ألقى الله تعالى بينهم العداوة والبغضاء فقد افترقوا على أكثر من سبعين فرقة، كما ورد بذلك الحديث الصحيح، فمنهم الجبرية والقدرية، والشبهة ومنهم من ينكر البعث، ومنهم الربانيون والقراءون، وبينهم العداوة مستحكمة، وهم ينكرون أن يكون اليهود من غير بني إسرائيل، حتى إنهم لَا يعترفون بيهودية من يدخل في دين موسى من غيرهم، فيعادون السامرة الذين لم يكونوا من أصل إسرائيلي.

ويصح أن نفسر قوله تعالى: (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُم الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). بأن تستقبلهم بين أيديهم العداوة والبغضاء كالبين في قوله: (. . . مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ. . .). وفي قوله تعالى: (. . . لَا تقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسولِهِ. . .).

والمعنى على هذا ألقينا بين أيديهم عداوة وبغضاء تكون منهم للناس، ومن الناس لهم ذلك بأن ما في نفوسهم من حسد لجوج، ومادية شرسة، وأثره حاقدة.

جعلتهم في عداوة مستمرة مع الناس، وجعلتهم مبغضين إليهم دائما، فهم مكروهون من الناس كارهون لهم يعادونهم ويبغضونهم ولا تجد في قلب أحد محبة لهم، ولو كانوا يناصرونهم أحيانا، لأن نصرنتهم لأنفسهم ليكونوا آلة ينفذون بها مآربهم، والله سبحانه وتعالى من ورائهم محيط.

(كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) إن هؤلاء اليهود لحسدهم المستمر للناس، ولكراهيتهم لهم يثيرون الحروب بين الناس، فهم يثيرونها على غيرهم إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>