ليس إلا رسولا وقد خلت أي مضت من قبله الرسل فإبراهيم كان رسولا، ومن قبله كان نوح رسولا، وهؤلاء مضوا، ولم يدع الألوهية لهم أحد كما نحلتموها يا معشر النصارى للمسيح - عليه السلام - وإذا كان له معجزة خارقة للعادة بإحياء الموتى، فأولئك كانت لهم معجزات لَا تقل عنها تأثيرا، ولا تقل عنها في ذاتها.
وقد قال الزمخشري في ذلك وتبعه من بعده:(ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله جاء بآيات من الله تعالى كما جاءوا بأمثالها أن أبرأ الله الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى على يده، فقد أحيا سبحانه وتعالى العصا وجعلها حية تسعى وفلق بها البحر وشق على يد موسى، وإن خلقه من غير ذَكَر فقد خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى).
ونزيد على ما قاله الزمخشري أن معجزة كل نبي بما يناسب عصره، فعصر سيدنا عيسى كان عصرا يؤمن بالأسباب المادية، وكان في عهده الفلاسفة الطبيعيون، الذين لَا يؤمنون بغير الأسباب التي يرونها، فكانت معجزات عيسى عليه السلام خرقا حسيا صارخا لهذه الأسباب، فولادته كانت بغير السبب المعروف، إذ كان من غير أب، وما كانوا يحسبون أن الأكمه الذي ولد أعمى يبصر، وما كانوا يعلمون أن البرص يشفى منه، فشفاه الله تعالى على يديه، وما كانوا يرون الحياة ترد بعد الوفاة، فأحياها الله تعالى على يديه، كما أجاب لإبراهيم عندما دعا ربه قائلا:(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠).
جاء عيسى - عليه السلام - فكانت حياته وآياته كلها داعية لبطلان ذلك الاعتقاد بأنه لَا شيء إلا الأسباب والمسببات. ولكنهم تمكنوا من اتباعه من بعده بثلاثة قرون، فأخرجوهم من اتباعه، وأعادوهم إلى الأسباب والمسببات، وأخرجوه من البشر، وزعموا أنه إله.