للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمه لَا تخرج عن أنها مخلصة صادقة تابعة للنبيين من قبله وله عليه السلام، والصدِّيق هو الذي لَا يقول إلا صدقا، ولا يكذب، ويصدق الحق ويدعو إليه، ويستمر عليه، فالصديق هو الصادق في قوله وعمله والمصدق للحق المذعن له إذا جاءه، وقال الأصفهاني في مفرداته: (الصديقون هم قوم دون الأنبياء في الفضيلة) فهم المرتبة الأولى بعد الأنبياء.

ويلاحظ أنه عند ذكر عيسى في القرآن يذكر أنه " المسيح ابن مريم " تأكيدا لبشريته، لأنه يرى بالحس مولودا بعد أن لم يكن، وأن ولادته من مريم البتول فكيف يتركون المحسوس إلى أوهام، وحياتهما تدل على البشرية، ولذا قال سبحانه:

(كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ذكر الله تعالى هنا بيان خواصهما الآدمية الحيوانية بعد بيان منزلتهما عند الله تعالى، إذ إن الأول رسول، والثانية صديقة، ولا تتجاوز منزلتهما عند الله تعالى ذلك، وهما في الحياة المادية كسائر الأخياء من الأناسي يأكان الطعام ويعملان على ذلك، وهما لهذا محتاجان إلى غيرهما، والإله لَا يحتاج لغيره، ويقول الزمخشري في ذلك: (إن من احتاج إلى الاغتذاء بالطعام، وما يتبعه من الهضم، والنقض - لم يكن إلا جسما مركبا من عظم ولحم وعروق وأعصاب وأخلاط وأمزجة مع شهوة وقرم وغير ذلك مما يدل على أنه مصنوع مؤلف مدبر كغيره من البشر!!) ولكنهم مع كل هذا تركوا الأعراض التي تدل على الآدمية وأماراتها، ولذلك قال تعالى: (انظُرْ كيْفَ نُبَيِّن لَهُمُ الآيَاتِ). أي انظر يا محمد إلى الأدلة على آدميته التي هي قائمة، وكيف بيناها، وصرفنا لهم القول الذي يدل على الحقيقة، ولكنهم ماديون يؤمنون بالمادة وأسبابها، ولذلك انصرفوا عن الحق وعن الإيمان، وخضعوا لأوهام، ولذا قال تعالى: (ثمَّ انطرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). وقد عبر بـ " ثم "، للدلالة على بعد بين ما تدل عليه الآيات وحالهم، ثم على بُعد ما يقولون عن الحق، إذ يرون بالحس إنسانا يولد، ثم يفرضونه إلها بزعمهم؛ والإفك الصرف عن الحق، يقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>