للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو يطلق أولا على الأشياء القذرة التي تعافها ولا تستطيبها النفس أو أن عواقبها وبيئة، وتطلق بالإطلاق الثاني على الأعمال السيئة التي لَا يقبلها العقلاء، ولا مبرر لها عند أهل البصر والإدراك، والخمر مستقذرة في ذاتها لأن النفس لَا تستطيبها شرابا، ولولا العادة ما تعودها الناس لعدم مساغها، ونتيجتها مستقذرة لأنها تفقد الشخص الإدراك، يكون قذر العمل، يأتي بما لَا يستحسنه العقلاء، وهي مستقذرة؛ لأنها ضارة بالجسم أبلغ الضرر وأشده، فهي تفسد الكبد، وتضل العقل، ولقد حرمها بعض الجاهلين على نفسه، ولما قدمت له قال: (لا أتناول ضلالي بنفسي) وهي تثير النزوات والشهوات، ويروى أن أعرابية جاءت إلى مكة، فأسقيت الخمر، فلما ثملت قالت: أنساؤكم يشربن الخمر، فلما قيل لها: نعم. قالت: إن نساءكم لزوانٍ.

والخمر أم الخبائث، لأنها تسهل كل الخبائث، فما من شر يريد أن يقدم عليه الشخص، ويتردد في ارتكابه إلا سهلته الخمر، فهي تميت النفس اللوامة، أو على الأقل تضعف صوتها، وتخدر الوجدان، وهو الإحساس بما في العمل الذي يعمله من خطر، ومن أجل ذلك كله حرمت.

ولا يقال إنها حرمت للإسكار فقط، حتى لَا يزعم ناس أنها حلال له؛ لأنه لم يسكر، فذلك قول باطل أولا - لأن النص قاطع في التحريم، وكل اجتهاد مع النص اجتهاد فاسد، وثانيا - لأن كون الشيء مسكرا لَا ينظر فيه إلى الجزئيات بل النظر فيه إلى شأنه، ولا تخرم القاعدة الكلية بشذوذ جزئي. وثالثا - لأنها تميت الضمير والوجدان أو تخفت الصوت اللائم، وتذهب بالحياء وهو عصام الأخلاق والمجتمع السليم.

والميسر مستقذر، لأنه يؤدي إلى الشحناء واكل أموال الناس بالباطل، واتخاذ الأنصاب مستقذر لأنه لَا يتفق مع العقل ولا يدعو إليه الفكر المستقيم، وهو من ضلال العقول وفساد النفوس، والأزلام لون من ألوان الميسر، وشكل من أشكاله، وهو قذر بكل صوره، وبكل أشكاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>