للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد قال آخرون: إن المراد بقوله تعالى (مِنكُمْ) هو أن يكون الخطاب للمؤمنين؛ لأن النداء في الذين آمنوا لَا في قبيل منهم، إذ النداء لهم قاطبة لا لفريق منهم، ولذلك يكون الاثنان اللذان من غيرهم من غير المؤمنين، ومقتضى هذا التخريج أن تقبل شهادة غير المسلمين في هذه الحال، وقد أجازها جمع من التابعين منهم سعيد بن المسيب وابن سيرين، ويحيى بن يعمر، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وقتادة، وشريح القاضي، وهذا رواية عن أحمد بن حنبل، وقد قرروا أن شهادة غير المسلم على المسلم تقبل في حال السفر، وعلى أن تكون الشهادة في وصية كما نص القرآن الكريم، وذلك لمقام الضرورة، ولمنع ضياع الحقوق ما أمكن ولأن ذلك يشبه التحري، ويكون المراد من العدالة الاشتهار بالصدق والأمانة، ومنهم من يكون كذلك، وإن أصاب الضلال اعتقاده، وثانيا لأن قبول شهادتهم استثناء فيقتصر على موضع الوصية، فيقتصر على مورد النص، وهي تقييد الحال بحال السفر، وتقييد الموضوع بأن يكون في الوصية.

وهنا إشارات غير لفظية:

الأولى - قوله تعالى: (إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ). المراد به إذا سافرتم؛ لأن المسافر يضرب في الأرض، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل.

الثانية - قوله تعالى: (فَأصَابَتْكم مّعيبَةُ الْمَوْتِ). أي نزل بكم، وسماه سبحانه وتعالى مصيبة؛ لأنه بطبيعته يؤلم أو يصحبه أو يقارنه أو يسبقه آلام نفسية، ولأنه حق ليس بمحبوب وخصوصا لمن يموتون حتف أنفسهم، ولا يموتون استشهادا في سبيل الله تعالى، ورجاء لقائه، ولأنهم يفدون بموتهم جماعة المؤمنين؛ فالثمن الذي أخذوه أغلى من الموت الذي قدموه.

الثالثة - أنه عندما ذكر سبحانه الاثنين من غير المؤمنين لم يذكر العدالة ولكن المفروض أن يكونا صادقين اشتهرا بالأمانة، ولكن لم تذكر العدالة؛ لأنه لا يمكن أن يكون غير المؤمن عدلا عدالة مطلقة، بل تكون مقيدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>