للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا، ويلاحظ أن الأئمة الثلاثة مالكا والشافعي وأبا حنيفة وأصحابه لا يقبلون شهادة غير المسلم على المسلم مطلقا في سفر أو حضر، في وصية أو غير وصية، ويظهر أنهم يسيرون على التخريج الأول.

وقد بين سبحانه طريق أداء الشهادة، فقال: (تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ) الضمير في قوله تعالى: (تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةَ) يعود على الشاهدين ذوي العدل من المسلمين أو من غيرهما، والحبس الإمساك لأداء الشهادة اللازمة حتى تؤدى، والصلاة كما يفسر التابعون الذين تلقوا تفسير أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يراد بها صلاة العصر؛ إذ يكون وقت استجمام النفس، واستحضار عظمة الله تعالى، وطيب الجو، والفقهاء يعتبرون من السنة سماع الشهادة بعد صلاة العصر، حيث تكون النفوس قارة مطمئنة، وإذا كانا غير مسلمين، فإنهما يسمعان بعد صلاتهم.

وهذا حكم عام، ويلاحظ أن شهود الوصية لهم صفتان: إحداهما - صفة الشاهد العدل المخبر عن الواقع الناطق بالصدق فيه الذي يشهد على مثل الشمس عيانا، الصفة الثانية - أنهما وصيان للميت أمينان على ماله، يحافظان عليه، حتى يصل إلى أهله، ويسلم إليهم موفورا غير منقوص، ولذلك كان حقا عليهما أمانة الله تعالى، ولذلك كان أي ريب فيهما يؤدي إلى ضياع المال وحق المتوفى، وحق ذويه، ولذلك شرع القسم إن كانت ريبة أي ريبة كانت، ولو كانت نفسية ليس لها مظاهر مادية، ولذا قال: (فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتمْ) وهذا النص الكريم يفيد أن الحبس بعد الصلاة والقسم على صدق القول لَا يكون إلا حال الارتياب، وبهذا يرد قول الذين يقولون: إن الشهود لَا يستقسمون، أولا - لأن هؤلاء ليسوا شهودا من كل الوجوه، لأن لهم صفة أنهم أوصياء، والأوصياء يحلفون إن كان ثمة ريبة في تصرفهم، وثانيا - لأن الحال حال استثنائية فيجب ما أمكن الاحتياط، والحلف عند الارتياب، فلا بد من توثيق القول بالوثائق، لكي يكون الاطمئنان بدل الشك والارتياب، وبين سبحانه تتميما للاستيثاق صيغة اليمين، فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>