للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذكر كلامه وهو كهل، عندما استوى رجلا مكتملا، للإشارة إلى أن كلامه وهو في المهد يشبه كلامه وهو رجل مكتمل، وتلك حكمة الله تعالى، وبيان أن الأسباب لَا تتقيد بها إرادة الله تعالى.

(وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ) كان ما سبق هداية ربانية صرفة، وتأييدا لصدق أمه وبراءتها، وإرهاصا بنبوته، وهو منحة ليس لكسب العبد فيه إرادة، وهذه النعمة الأخيرة التي جاء بها ذلك النص الحكيم هي نعمة للعبد فيها كسب، وللإرادة البشرية فيها مكان فوق أنها جميعا لله تعالى، ولذلك أضاف سبحانه التعليم إليه، فالتعليم منه سبحانه، والتعلم من عيسى عليه السلام، والكتاب، يفسره بعض العلماء بالكتابة، فلم يكن عيسى عليه السلام أميا، بل كان قارئا لأن معجزاته الكبرى لم يكن كتابا منزلا من عند الله يتحدى به البشر أن يأتوا بمثله، ولأنه لم يكن في قوم أميين، بل كان في قوم فيهم علم الكتابة وفيهم الدراسة والبحث ولهم فلسفة.

وفسر الكتاب بعض العلماء بما سبقه من كتب النبيين كزبور داود وما جاء عن أخبار سليمان وإبراهيم عليه السلام وإسحاق ويعقوب والأسباط.

ويصح أن يراد الأمران، وهو ما نختاره، فالله سبحانه وتعالى قد ألهمه تعلم الكتابة وقرأ بها كتب النبيين وأخبار من سبقوه.

والحكمة هي في العرف الأدبي العام العلوم النافعة، والكلام المحكم الدقيق العميق الذي يكشف للناس عن أسرار هذا الوجود، ونفوس الناس، ويوجهها إلى الخير، ويدخل في الحكمة على هذا كل التعليمات المرشدة الهادية إلى مكارم الأخلاق، وقد كان سيدنا عيسى - عليه السلام - نبيا حكيما مرشدا أمينا.

وعلم الله تعالى رسوله الأمين التوراة التي نزلت على موسى والإنجيل الذي نزل عليه صلوات الله تعالى وسلامه عليه، ولماذا ذكر سبحانه وتعالى التوراة مع أنها قد تكون داخلة في ضمن الكتاب الذي علمه أولا؟ ونقول في الجواب عن ذلك، بأن التوراة تحتمل الدخول في الكتب المذكورة أولا، وتحتمل أن يقصد

<<  <  ج: ص:  >  >>