للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالكتاب الثقافة العامة الدينية وما كان شائعا من أفكار مدونة في عصره، وبذلك لا تشتمل التوراة، وتحتمل اشتمال كلمة الكتاب الذي يراد به الجنس على التوراة، ويكون تخصيصها بالذكر مقترنة بالإنجيل، للإشارة إلى أنهما متلازمان وأن الإنجيل الذي جاء به عيسى - عليه السلام - متمم للتوراة التي جاء بها موسى عليه السلام، وأنه منفذ لأحكامها إلا ما جاء به الإنجيل ناسخا لها.

بعد هذا التعليم الذي علمه لعيسى - عليه السلام - أخذ سبحانه وتعالى يذكر بعض معجزاته، وهي كبراها، فقال:

(وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي) كل معجزاته - عليه السلام - كانت من جنس طبيعته التي فطره الله تعالى عليها، لقد كانت ولادته خارقة للعادة؛ إذ خلقه الله سبحانه وتعالى من غير أب يلقي النطفة في رحم، بل ولد من أم من غير أب، لبيان أن الله تعالى لَا تحكمه الأسباب التي تجري في مجرى العادات، إنما هو سبحانه خالق الأسباب والمسببات فعال لما يريد، لا تخضع إرادته لسلطان سبحانه وتعالى، فمعجزات عيسى كلها بيان لأن الله تعالى فوق قاعدة السببية التي كانت مسيطرة في ذلك العصر المادي الذي كان لا يذعن إلا للأسباب والمسببات المادية.

وهذه المعجزة باهرة قاطعة في أن الخالق لهذا الكون لَا تحكمه الأسباب، إذ إن الناس يجدون أسباب الخلق هو التوالد بأن تحمل الأنثى من ذكر، وتلد، ثم يكون الحي من بعد ذلك، فيكون من خرق الأسباب أن يكون الحي بإجراء الحياة على يد مخلوق لله تعالى، فقد أذن لعيسى - عليه السلام - أن يصور من الطين كهيئة الطير، فمعنى " خلق " هنا هو تصويره جسدا من الطين، وجعله على شكل طائر، ثم نفخ فيه بإذنه سبحانه، فيكون طيرا بإذن الله تعالى.

وذكرت كلمة (بإذني) عند تصوير شكل الطير، وعندما صار طيرا؛ للإشارة إلى أن كل ذلك من عند الله، وأنه الخالق وليس عيسى هو الخالق، ولكنه سبحانه وتعالى أجرى الخلق على يديه.

<<  <  ج: ص:  >  >>