يود إيمانهم حتى ولو كان يتحقق بآيات أخرى، فالله سبحانه وتعالى يبين له أنه لا جدوى في آية جديدة؛ لأنهم سيعرضون عنها لَا محالة، ويكون المعنى: إن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أي مسلكا عميقا في جوفها، أو سلما أي مرقاة ترتقي بها إلى السماء لتأتيهم بآية فلن يجدي ذلك؛ لأنهم لَا يريدون حجة لنقص الحجة التي بين أيديهم، ولكن يريدون العنت ولو جاءتهم آية ما آمنوا، فالنص الكريم لبيان أنه لَا سبيل لإيمانهم إلا أن يجمعهم الله على الإيمان، ويقذف بالحكمة في قلوبهم، والله تعالى لم يكتب ذلك، إنك لَا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء.
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حريصا على أن يؤمن كل الذين يدعوهم إلى دعوته، ويظن أن الحجة وحدها كافية لاستجابتهم، فبين سبحانه وتعالى أن حكمته اقتضت أن يكون في الوجود أشرار وأخيار من الناس، حتى يبتلى الأخيار بالأشرار، وأن سنته في خلقه اقتضت أن يكون في الخلق إبليس يوسوس في صدور الناس ويكون الكفاح بينهم، وأن يبلوهم بالشر والخير فتنة. ولو شاء سبحانه أن يكونوا جميعا مهديين لجمعهم على الهدى والتقوى، ولكنه لم يشأ، كما قال تعالى في آية أخرى:(وَلَوْ شَاءَ ربُّكَ لآمنَ من فِي الأَرْضِ كُلهُمْ جَمِيعا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حتَى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
وما دامت إرادة الله تعالى لَا بد أن يكون في عباده أخيار يصدقون ويؤمنون، ومعرضون جاحدون، فادع إلى سبيل الله وانتظر أن يكون المناوئ والمجيب، ولا تكونن من الجاهلين بحكمة الله تعالى، وليس الجهل بأمر شرعي حتى لَا يكون محلا للنهي، إنما هو تنبيه إلى أمر تكويني، كان التنبيه للنبي - صلى الله عليه وسلم - مؤكدا، وهو تنبيه لغيره بالأولى.
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله.