للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الظرف للقصر، الأمر الثاني - بالقصر الصريح، بنفي العلم عن غيره وإثباته له وحده إذ قال سبحانه: (لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)، ثم بين دقة علمه بالمغيب وعمومه، فقال تعالت كلماته: (وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي أنه سبحانه يعلم ما في البر من حيوان يدب، وطائر يطير، وكهرباء، وفضاء، وحرارة ونظم كونية رتبها سبحانه وسخرها لابن الأرض، حتى وصل إلى جوف الفضاء وارتقى إلى الكواكب والنجوم، كما علمهن على ظهر الأرض، ولذلك عبر سبحانه وتعالى بالبر، ولم يعبر بالأرض، ليشمل التعبير الأرض، وما فوقها، وما بينها وبين السماء من فروج، ويعلم سبحانه أحياء البر، وكيف يكونون، لأنه خالقهم، وذلك تقدير العزيز العليم.

ويعلم ما في البحار من أسماك وجواهر ولآلئ، والجاريات المنشآت في البحر، وفي البحر عالم، ولسير البحار نظم، ولاستعمالها قوانين نظمها بإرادته الحكيمة رب العالمين، وخالق السماء والماء، وكلها مسخر للإنسان، يستعملها في العمارة والبناء، وفي التخريب والفساد، وكل ذلك بتمكين الله تعالى: (. . . لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. . .).

(وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).

هذا نوع تفصيل بعد إجمال، وقد اختير ما يكون ظاهره تحت أنظار الناس، وأسراره في علم الله تعالى العليم الخبير اللطيف البصير، وقد ابتدأ بالأوراق التي تسقط، فقال سبحانه: (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا) و (من) هنا الدالة على عموم العلم، وعلم الله ليس كعلمنا الظاهر المبني على البصر، إنما علمه هو العلم بأصل تكوينها، وسير نموها، فهو يعلم الأشجار التي علقت بها كيف غرست، وكيف كونت، وكيف نمت جذورها وتفرعت فروعها وتهدلت أغصانها، وكيف تكونت أوراقها، وأندت بالحياة حتى اخضرت وازدهرت، ثم كيف جفت وسقطت فذلك بعض علم الله تعالى، وهو علم بغيبها، ولا يعلم ذلك العلم سواه؛ لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>