بالأعراض عنهم في حال العناد أمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولخاصته المؤمنين، وعامتهم، فعلى المؤمنين ألا يغشوا مجالس المبتدعة في أثناء تقرير ابتداعهم، وإعلان انحرافهم، فإنه لَا جدوى في إرشادهم وهم في هذه الحال، وأن المؤمنين معرضون بكثرة الجدل معهم لأن تسري إليهم عدوى تفكيرهم، فإن الأفكار الفاسدة تُعدي كما تُعدي الأجسام المريضة الفاسدة، وقد شكا بعض الحنابلة أنهم لكثرة مجادلتهم مع الزنادقة سرت إليهم بعض طرق تفكيرهم.
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حريصا على دعوة المشركين، فبين الله تعالى كما ذكر آنفا أنهم إذا خاضوا في الآيات التي هي دلائل الرسالة، واستهزءوا بها وألحوا في جحودها، ولجوا في استمساكهم بما هم عليه لَا يزيدهم ذكر الحق إلا لجاجة وعنادا وطغيانا إذ كلما جاءتهم آية ودلائل أخرى زادتهم كفرا، كما قال تعالى (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥).
فنكران الحق لَا يزيد الظالمين إلا خسارا، ويدفعهم إلى اللجاجة.
ولذلك كان النهي في الآية السابقة، ولكن دعاة الحق في قلوبهم ميل إلى ذكره، وهداية الناس إليه، فقد يدفعهم ذلك إلى أن يعاودوا الدعوة إليه وذكره عند الخائضين منكرين مستهزئين؛ ولذلك كان النص الكريم مكررا النهي في حال النسيان بسبب الرغبة في الدعوة إلى الهداية وقوله:(وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَان) هي " إن " الشرطية مؤكدة بـ " ما " ويصحب التأكيد بما التأكيد بالنون الثقيلة لغة وبيانا في (يُنْسِيَنَّكَ)، وهذا من مواضع وجوب التأكيد، والمعنى إن أنساك الشيطان، نسيانا مؤكدا فقعدت معهم، فلا تقعد بعد التذكر معهم، لأنهم ظالمون، ولأجل بيان بعض مرامي النص نتكنم في النواحي الآتية: