للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأولى - أن التأكيد إنما هو في النسيان، وأن السبب هو الشيطان، وإذا كان الشيطان هو السبب في الوسوسة التي أدت إلى ذلك النسيان فإنه يجب التوقي منه ومحاربته، وعدم الأخذ بما يدعو إليه، والتوبة والإقلاع عما دعا، ولكن هل الشيطان بمعنى إبليس يسيطر على نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - فينسيه ما يجب عليه، وإن الذي نعلمه، وهو مقرر أن إبليس نزعت من قلبه علقته، فهو لَا يؤثر في نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن الطبيعة الإنسانية هي التي تعتري الإنسان فينسى، فكيف ينسب نسيان النبي إلى الشيطان؛ وقد أجيب عن ذلك بأن المراد بالخطاب في هذا المقام من يخاطب من الأمة، فليس للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن اللفظ للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلا بد أن يدخل فيه ابتداء بمقتضى السياق، وإن كان الأمر يعم كل داع، والجواب الذي نرتضيه أن الشيطان ليس هو إبليس هنا، إنما هو ما يعتري النفس الإنسانية، من غفوات، أو سهو وهو جائز على النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير بيان الأحكام، والتبليغ عن الله تعالى، فإن النسيان في هذا يتنافى مع مقام الرسالة من الله تعالت قدرته، وسمت حكمته. وعبر عن النسيان بنسبته إلى الشيطان للإشارة إلى وجوب توقِّيه.

الثانية - أن النهي جاء بعد التذكر، فلا نهى في حال النسيان لأنه رفع عنِ الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وقال سبحانه: (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَع الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) عبر سبحانه وتعالى عن الذكر بالذكرى، ومعنى الذكرى كثرة الذكر، والتحري له، والحرص عليه، وذلك فيه إيماء إلى وجوب التحرز من النسيان ما أمكن، حتى لَا يزداد الداعي تعبا، ويزداد المدعو لجاجة، فلا دعوة إلى الحق مع الإعراض عنه واللجاجة في الإعراض.

الثالثة - أن النص الكريم منع من القعود مع القوم الظالمين. أي تجمعوا وتحزبوا، وهم مستمرون في ظلمهم بكفرهم، وإصرارهم عليه، ولجاجتهم، واستهزائهم، ففي النص وصف لهم بالظلم، وأنه السبب في عدم القعود معهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>