للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: (أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا) وقد فسر الزمخشري (ندعو) بنَعْبُد، وهو حسن، ويصح أن نفسر (ندعو) بكل دعاء بالعبادة وبالاستغاثة، وبالاستعانة في النصر، وغير ذلك مما يدعون به أصنامهم. وقدم نفي النفع على نفي الضرر؛ لأن نفي النفع أجلب للترك، إذ إن من يدعو إنما يدعو لنفعه لَا للضرر ولذا قدم عليه.

والاستفهام هذا إنكاري بمعنى النفي، أي لَا ندعو ما لَا ينفعنا ولا يضرنا، وهو نفي فيه معنى التوبيخ لمن يدعو ما لَا ينفعه ولا يضره.

وقد صور الله تعالى حالهم في دعوتهم إلى الباطل من اهتدى، ومن تنزل عليه أسباب الهداية كحال الشياطين التي تستهوي الضال بدعوتهم إلى ما لَا هداية فيه؛ بجوار أن له أصحابا يدعونه إلى الطريق اللاحب (١)، والسير فيما فيه النجاة فقال تعالى: (كَالَّذِى اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطينُ فِى الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا).

استهواه أي طلب هواه واستولى عليه يوجهه كيف شاء، كالذين يصنعون ذلك بالنوم، والاستيلاء على الحس، والشياطين هم الذين يضلون، ومن ذلك الأوهام التي تعتري من يسير في صحراء قفراء يتلمس المرشد في مهامه الأرض (٢)، فيسمعه الوهم نداء يسير به في طريق الضلال، وسماهم الله تعالى شياطين تستهوي الأنفس، فيسيرون وراء هذه الأوهام والضلال كما قال المفسرون، وفى الوقت نفسه له أصحاب يدعونه إلى الطريق المستقيم، وهو حيران متردد بين دعوة الأوهام والدعوة الحق، فهو تشبيه حال المؤمن الذي يرى الأوهام ويرى الهادي.


(١) لحب: اللَّحْبُ: الطريق الواضح، واللاحب مثله. ويقال أيضًا: لَحَبَ، إذا مر مرًّا مستقيمًا. الصحاح للجوهري (لحب).
(٢) المَهمَهُ: المفازةُ البعيدة الأطراف، والجمع المَهامِهُ. الصحاح للجوهري.

<<  <  ج: ص:  >  >>