للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا تصوير من الله تعالى لحال من يترك الحق إلى أوهام، ويكون حيران أي مترددا بين الضلال والهدى، وبين النور والظلمة.

وقد أمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم بعد هذا التشبيه البين المبين: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) أي إن هدى الله تعالى هو وحده الهدى أي لَا هدى غيره، وقد بين سبحانه أن الهدى هو حق الله وحده، بالعبارة الدالة على القصر، وهي تعريف الطرفين، وضمير الفصل، الذي يدل على أنه لا هداية غير هداية الله، ومن عُدِم هذه الهداية فهو في ضلال مبين.

ولقد قال تعالى فيما ترتب على أن الهداية من الله وحده: (وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) أي أمرنا من الله تعالى الهادي إلى سواء السبيل بألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، وأن نكفر بالجبت والطاغوت، وأن نطيع الله تعالى الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وأن نكون ربانيين وذلك لنسلم، اللام لام العاقبة أو لام كي للتعليل، ونسلم أي نخلص، ونكون لله تعالى حده، وقد أسلمنا وجهنا لله مخلصين له سبحانه.

وهنا كان البناء للمجهول لأن الآمر معلوم، وهو في صدورنا وأطواء نفوسنا، ولم تذكر المأمورات، ولكن ذكرت نهايتها وغايتها، وهو أن نسلم لرب العالمين الذي خلقنا وربانا، ويقوم على عامة أمورنا وخاصتها، وهو الحي القيوم.

ويلاحظ أن الله تعالى أمر نبيه أن يقول أندعو ما لَا ينفعنا ولا يضرنا، وكل ما كان من بعده بصيغة المتكلم ومعه غيره، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أمره ربه، كان يتكلم ومعه المؤمنون المخلصون الذين لاقوا الشدائد في مكة حتى هاجر منهم إلى الحبشة من هاجر، وقد آذاهم المشركون يريدون ردهم على أعقابهم بعد إذ هداهم الله.

فالله تعالى أمر نبيه بأن يقول هذا القول عنه وعنهم، ليلقي اليأس في قلوب المشركين من أن يعود أحد إلى الشرك بعد الوحدانية، وإلى الكفر بعد أن ذاقوا حلاوة الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>