للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النص القرآني احتجاجا على المشركين من أهل مكة بنقض النفي العام عندهم بنزول التوراة التي تفيد أنه كان من البشر رسول من أولي العزم من الرسل، واحتجاج على اليهود الذين غيروا وبدلوا أو احتجاج على العرب، وتوبيخ وتنديد بعمل اليهود.

هذا كله على أن الآية نزلت بمكة، أما على أنها مدنية فيكون الخطاب ابتداء لليهود الذين كانوا يجادلون النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد روي عن ابن عباس أن اليهود قالوا في القرآن: ما أنزل الله كتابا، ويكون قوله تعالى: (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تبْدُونَهَا وَتخْفُونَ كَثِيرًا)، توبيخا شديدا لهم، ولوما عنيفا على تغيير في كتابهم وإنكار الحقائق الاعتقادية التي اشتمل عليها، وعلمتم بهذا الكتاب ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم، وافتريتم بأنكم أهل علم بكتاب، وجحدتم حقوق غيركم بانتمائكم إلى هذا الكتاب، وقلتم ما علينا في الأميين من سبيل، وإن كنتم بذلك ظالمين.

وتفسيرها على هذا واضح بين، وكونها آية مدنية في سورة مكية لَا يمنع، فإن العبرة بكون السورة مكية بالأغلب الكثير، لَا بالنادر القليل، وقد قال بعض الناس: إنها نزلت مرتين مرة في مكة وأخرى في المدينة، وأودعت في سورة مكية؛ لأنها نزلت فيها أول مرة، وعلى قراءة (يخفون) و (يجعلون)؛ يكون التفات عن اليهود تحقيرا لأمرهم، ومبالغة في توبيخهم على ما حرفوا وبدلوا.

سألهم الله تعالى على لسان رسوله الأمين (مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِى جَاءَ بِهِ موسَى) ولكن الجواب لم يجئ إلا في آخر الآية الكريمة، وكان الجواب الكريم الذي أمر الله نبيه أن يقوله: (قُلِ اللَّهُ) أي الذي أنزله الله تعالى القادر على كل شيء الذي لَا يبعد عن سلطانه شيء في هذا الوجود، وإذا كان قد أنزل التوراة فهو منزل القرآن، قال الله تعالى لشبيه: (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)، قل لهم (اللَّهُ) بإيجاز، ولا تزدهم، ليتفكروا أو يتدبروا بما فيه أمرهم إن كان فيهم عقل غير عابث، (ثُمَّ ذَرْهُمْ) أي اتركهم (فِى خَوْضِهِمْ) في القول الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>