للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لهم، فقال تعالت كلماته: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) والغمرات الشدائد، جمع غمرة أي شِدَّة، وأصلها الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها، وإطلاقها على الشدائد من قبيل أنها مغمورة فيها لَا تكاد تخرج منها؛ ولهذا قد أحاطت بها، كما يغمر الماء الغريق، فيحيط به من كل جوانبه، وغمرات الموت شدائده التي تكون عند الاحتضار أو عقبه، يحسّ فيها بغمرة شديدة عند الموت، وإذ يقبر، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار (١)، وإنهم في هذه الحال التي يحتضرون، وبعد موتهم؛ الملائكة تبسط أيديهم بالشدة والعذاب المهيا لهم، ولذا قال تعالى: (وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ) تقول لهم بلسان الحال (أَخْرِجُوا أَنفُسَكمُ) يقال بسط يده بالعطاء وبسط يده بالحرب، والبلاء والشدة، وذكرت في القرآن كثيرا بمعنى الشدة، ولذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْديَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنَكُمْ. . .).

وقول المعتدى عليه من ولدى آدم: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِط يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) أالمائدة، فمعنى قوله تعالى: (وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ) أي بالضرب والعذاب الذي لَا مناص منه، ولا يمكنهم التخلص منه ولا الخروج، والملائكة يقولون لهم بالقول أو بلسان الحال: (أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ) أي أنه قد أحيط بهم فلا خلاص لهم، ويقال أخرجوا أنفسكم إن استطعتم إلى الخروج سبيلا، فهو مصيركم ونهايتكم، وما صرتم إليه، بأعمالكم المتكافئة بالشر التي حبط فيها كل خير، لأنه قد طمس على بصائركم.

وقال بعض المفسرين: إن قوله تعالى (أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ) خطاب لهم حال الاحتضار كأنه يقال لهم سلموا أنفسكم لنا وقد علمتم أن هذا اليوم هو ساعة الأداء لما كسبتم وما قدمتم فتأخذوا جزاءه، وقالوا: إن هذا تشبيه لحالهم بحال المدين الذي يلازمه غريمه، فلا يستطيع الهرب منه حتى يؤدي الدين الذي عليه، ونرى أن الأول أوضح، وأبين، والنتيجة واحدة.


(١) رواه الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع - باب منه (٢٤٦٠) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>