للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) فيه أداة شرط وهي (لو)، وفعل شرط، والجواب غير مذكور يدل عليه التعبير بغمرات الموت، وبسط الملائكة، وحالهم من أنهم لَا يستطيعون حولا ولا طولا، ويكون الجواب: لرأيت ثم رأيت هولا شديدا هو جزاءً وفاقا لما قدموا من سوء، وفعلوا من شر.

وقد ذكر الله الجزاء فقال: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) اليوم فيما يظهر هو ما بعد القيامة من عقاب، وعذاب الهون هو العذاب الذي يكون هوانا، وذلا، واستحقارًا لأمرهم، وإضافة العذاب إلى الهوان إضافة تدل على أن الهوان ملازم للعذاب، فقد استكبروا على الحق، وقالوا غير الحق، فكانت العقوبة من جنس الجريمة، ولقد قال سبحانه في سبب ذلك: (بِمَا كنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ). أي السبب في العقاب أمران جمع الله فيهما الظلم كله:

أولهما - أنهم كانوا يقولون على الله غير الحق، فيشركون به، ويقولون إنه ثالث ثلاثة، ويقولون: المسيح إله، ويحلون ويحرمون بغير ما أنزل الله تعالى، وقوله تعالى: (كنتُمْ تَقولُونَ) تدل على استمرار قولهم، وعدم انقطاعه عنهم، وإصرار عليه؛ لأن (كنتم) تدل على الاستمرار، والمضارع يدل على تجدد القول آنا بعد آن. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

ثانيهما - أن الآيات البينات الهادية من معجزات دالة، ومن دلائل أخرى فكانوا يعرضون عنها، ويستكبرون، ويظنون أن الالتفات إليها فيه هوان عليهم، وكبرياؤهم منعهم عن الالتفات إلى الحق، فاستكبروا وتجبروا، وخاب كل جبار عنيد وكان الاستكبار متضمنا الإعراض عن الآيات؛ ولذا عدى بـ " عن " التي تدل على التجاوز والإعراض إذ قال تعالى: (وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) أي كنتم تستكبرون معرضين عن آياتنا الدالة؛ ولأنها قاطعة على الحق وفيها الهداية، ولكن لا تهتدون استكبارا وإعراضا، فنالوا جزاءهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>