للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أى إن المحرم كان معلوما من الله، وهو تحريم أيضا بمقتضى الفطرة السليمة؛ لأنه لا تستبينه النفوس السليمة، ولا الأذواق التي تعاف الرجس القذر.

(وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِآهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ) المعنى: إن كثيرا من الناسِ تسيطر عليهم الأوهام، حتى تزين لهم الضلال، فيتوهمون أنه حق، وما هو إلا الباطل والهوى هو الذي يخرج الوهم، ويحكمون من غير علم.

وقوله (لَيُضِلُّونَ) فيها قراءتان إحداهما - بفتح الياء (١) والمعنى أن كثيرا من الناس يضلون في ذات أنفسهم بأهوائهم التي تسيطر عليهم بغير علم، بل بوهم توهموه، وحكموا على مقتضاه من غير علم أوتوه، وينسبون ذلك إلى الله، والله تعالى بريء منه؛ لأنه مفترى عليه.

وهناك قراة أخرى بضم الياء، ويكون المعنى: إن كثيرا من الناس يُضلون غيرهم تبعا لأهوائهم التي تجعلهم يتوهمون تحريما في أشياء بغير ما حرم الله تعالى، وينسبون ذلك لله تعالت قدرته بغير علم علموه من قبل الله سبحانه وتعالى.

وإن القراءتين متواترتان كل منهما قرآن كريم، فكل واحدة قرآن، ويكون بين القراءتين أنهم يضلون بأهوائهم في ذات أنفسهم، حتى استمكن الضلال منهم فأضلوا غيرهم، فهم يضلون ويضلون بغير علم.

وهذا فيه تنبيه للمؤمنين، بأن يجتهدوا في عدم اتباع المشركين الذين ضلوا وأضلوا: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ).

وإن هؤلاء اعتدوا على الله فكذبوا عليه، واعتدوا على الناس فأضلوهم واعتدوا بتحريم ما لم يحرم عليهم، فكما أن الاعتداء يكون بتحليل ما حرم الله تعالى، فالاعتداء أيضا يكون بتحريم ما أحل الله.


(١) (يُضلون) بضم الياء، قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف غير المفضل، و (يَضلون) بفتحها ابن كثير وأبو عمرو. وقرأ الباقون وهم نافع وأبو جعفر وروح - بفتح الياء. غاية الاختصار (٨٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>